نجوم خطفهم الموت (4).. عمر فتحي قتلته السرقة

رباب طلعت

الشهرة، النجاح، النجومية، أحلام حققوها ووصلوا لها بتعب واجتهاد دام سنوات، إلا أن الموت قرر اختطافهم في عز سطوع نجمهم، تاركين وراءهم أعمالهم، التي خلدتهم في قلوب جماهيرهم.

نرشح لك : نجوم خطفهم الموت (3).. محمد الشرقاوي نام ولم يستيقظ‎

4 أيام فاصلة على العام الجديد، الناس على مشارف 1987، ينتظرون حفلاته المُتعاقد عليها في كبرى فنادق القاهرة، ليستمعون لغنائه، ويرون ابتسامته التي اعتادوها، منذ اختياره لـ”الأغنية الخفيفة”، لونًا له، إلا أن الخيانة اغتالت نجوميته وهو في الـ32 من عمره فقط، ليولد عصر نجوم آخرين، صعدوا في سماء الفن، بعدما انطفأ نجم عمر فتحي فيها بيوم.

نرشح لك: نجوم خطفهم الموت (2).. هالة فؤاد بسببها حاول أحمد زكي الانتحار

عمر فتحي، ابن إحدى قرى الصعيد، والابن الثاني لوالده، الذي أسماه محمد عبد المنعم، الفنان البشوش، الكريم، طيب الخلق مع الآخرين، حتى مع خادمته، التي اكتشف سرقتها لأشياء “تافهة”، من منزله، فاغتالت ثقته فيها، وأودت خيانتها له بحياته، بعدما انفعل عليها، بعد اكتشافه لإخراجها لـ”مفرمة يدوية”، من كيس القمامة، من “العين السحري” لباب شقته، التي كان يحلم بأن يعيش فيها في بداية مسيرته الفنية، لتشهد انفعاله، على “أم سناء الشغالة” وإصابته بشلل كلي للحظات لم تطل، قبل خروج روحه، في 26 ديسمبر 1986، نظرًا لتفاقم حالته الصحية قبلها بفترة وجيزة، وإصابته بأزمة قلبية، بعد إخبار الأطباء له بإصابته بقصور في الشريان التاجي عام 1980، وهو الخبر الذي شارك جمهوره به، إلا أنهم لم يصدقوه، واتهموه بأنه يبني نجوميته باكتساب تعاطفهم معه، مثله كمثل بعض فناني عصره، الذين ادعوا اليتم، برغم أن والديهم على قيد الحياة، تيمنًا بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

نرشح لك : نجوم خطفهم الموت (1).. علاء ولي الدين رحل فجأة بعد صلاة العيد

لحظة صادمة شهدها صديقه المرافق له في تلك اللحظة، والذي أخبر أصدقاءه، الذين عجزوا عن إخبار والدته بما حدث، فأجابوا على سؤالها: “فين محمد؟”، بأنه “جايلك في الطريق”، فحملوه لها ميتًا، ونقلوه إلى منزلها، لتكتشف وفاته في ساعة مرت أقصى من أن توصف، وبدأ أصدقاؤه في تجهيزات الغسل، والدفن، والعزاء، الذي شاركهم فيه اللواء محمد عبد الحليم موسى، وزير الداخلية الأسبق، والذي كان مديرًا للأمن وقتها، لعشقه لـ”فتحي”، وألمه الكبير على فقدانه.

https://www.youtube.com/watch?v=UtntZzYpybs&feature=youtu.be

ثاني أيام وفاته، 27 ديسمبر 1986، لمعت نجومية نجوم كبار، بعدما انطفأ نجم عمر فتحي، الذي كان حالة منفردة من النجومية في عصره، فهو الفنان الشامل، الذي بدأت نجوميته على شاشة التلفزيون المصري باستعراض راقص، ليكتشف الجميع فنانا شاملا، يغني ويرقص ويمثل، حتى صعد اسمه في سماء الفن بشكل سريع، للدرجة التي كان إذا رغب فنان في زيادة أجره، يتوجه له أولًا ليطلب ذلك منه، كما فعل مدحت صالح، الذي أراد الزواج، فأجابه “فتحي”، ورفع أجره بالفعل، فارتفع أجر “صالح”، واستطاع الزواج، وغنى له الفنان الراحل في فرحه دون مقابل، وأعطاه “نقطة” قدرها 5000 جنيه، فبعد وفاته، أعادت فرقته ومدير أعماله أموال تعاقدات حفلات رأس السنة كافة، في كبرى فنادق القاهرة، ما جعل المتعاقدون يلجئون لفنانين آخرين، لأخذ مكانه، فولدت نجوميتهم بالفعل، وهو ما رفضه محمد فؤاد، تمامًا، احترامًا لوفاته، وهو الذي غنى له أيضًا في أول حفلة أحياها في كلية الآداب بجامعة القاهرة، والتي شهدت بكاءه على “فتحي”، وسط الحضور، وأوقفها دقائق حتى تمالك نفسه، واستمر في الغناء.

 

انطفأت أسطورة “فتحي”، التي بدأت في منتصف السبعينات، عقب غنائه مع زميليه الجنديين محمد منير وعلي الحجار، في كل وحدات الجيش، احتفالًا بنصر أكتوبر، للحفاظ على الروح المعنوية للجيش الذي كانوا يخدمون فيه وقتها، بتكليف من الشئون المعنوية للقوات المسلحة، لمدة عام كامل، خرج بعدها للنور، فكان أول من رفض الصعود على المسرح بزي رسمي، بل ارتدى “كاجوال”، كي يقدم لونه المفضل، تلك الأغنية الخفيفة، التي تعكس ابتسامة وجهة، ولمعة عينيه، والتي شارك من خلالها مع فرقة المصريين بقيادة هاني شنودة، لإحياء الأغنية الشعبية، وإعادة رونقها، تحت اسمه الأول محمد هندي، والذي غيره بعد ذلك لعمر فتحي، امتنانًا له بجميل مكتشفيه الشاعر عمر بطيشة والمخرج فتحي عبد الستار، اللذان دفعا به للغناء منفردًا بعدما شاهدوه في فرقة رضا، وآمنا بموهبته، فقدموه للناس، وقدم للفن بعدها 11 ألبومًا، بالإضافة لمشاركته في عدد من المسلسلات منها “سفينة العجائب”، و”سيدة الفندق” أمام يسرا، و”حسن ونعيمة” أمام شريهان.

مات “فتحي” ولم يترك وراءه وريثًا، فهو لم يتزوج إلا مرة واحدة، في بداية شهرته، لم تدم أكثر من شهر من “آن” الأمريكية، ليس حبًا فيها، وإنما كان ليتعلم منها اللغة الإنجليزية، التي اتقنها في شهرٍ واحد، لشدة ذكائه، كما وصفه أصدقاؤه، ولسعيه في تحقيق أهدافه، حيث برع في ذلك دائمًا، فالشقة التي توفي فيها، كان وهو فنان صغير لا يملك أموالًا -سوى سيارة اشتراها من عائد مسلسله الاستعراضي الأول الذي عرض في “ماسبيرو”- يحلم باقتنائها، بل كان وهو جالس مع أصدقائه عند “أبو عادل” الكبابجي القاطن في شارع الدول العربية بالمهندسين، ينظر لها ويشير إليها قائلًا: “أنا هسكن هنا”، وبالفعل سكن ومات فيها.