رائد لطفي يكتب: عليوة الأصلي

هو مواطن مصري أصيل يندر وجوده هذه الأيام مع أنه موجود ومنتشر أكثر من انتشار الذباب والبعوض في كل ربوع المحروسة .. لكن وجوده يقارب العدم في نظر المسئولين الحكوميين أو نظر أغلبية المصريين الذين صاروا عديمي النظر بفعل فاعل .. كان ومازال البحث عنه جاريا.

 

تخرج عليوة من كلية مالهاش لازمة واشتغل عشر وظائف مالهاش أي ستين لازمة.  وتزوج عندما شعر أنه لابد أن يكون له ولو لازمة واحدة .. فكانت اللازمة الوحيدة علي لسانه بعدها هي : يخرب بيت أم اللي يدور له علي لازمة .. لأن الدنيا واقفة فوق دماغنا وإحنا يا دوب بنمشي الأول جوه الجزمة.

 

ادخر كل جهده الحقيقي تقريبا .. واشتغل في الأزرق ثم في الأصفر .. حتي ادخر مبلغ مالي معقول مكنه من شراء سيارة ملاكي سينقل بها المدام والعيال بعيداً عن الزحام فشعر وقتها أن عمله الذي لم يكن له أي لازمة بالمرة كانت له فائدة.

 

وتعلم السواقة سريعاً في أوسع حوش في المطرية .. فكانت السواقة سهلة وطرية فشر المهلبية .. وعندما قرر اصطحاب المدام والعيال في أول خروجه لهم بالعباسية  كانت المفاجأة المصرية التاريخية في انتظار هذا المصري الأصيل.

كان الرصيف عن يمينه محتل من أصحاب المحلات والمقاهي الذين علقوا يافطة ضمنية مكتوب عليها .. اللي مشي من هنا .. مات مات وفي ديله سبع لفات.

 

ثم تحت الرصيف مباشرة كان عمال الحي يقوموا بالحفر في الأسفلت للمرة الرابعة عشرة هذا الشهر فقط وقد قال أكثرهم خبرة في مجال الحفر والدمار الشامل عندما أشار له عليوة المصري الأصيل لكي يفسح له طريق أو حتي خرم للمرور : حفرناها حفراُ كتبت علينا ومن حفر حفرة ردمها .. ثم حفرها تاني بعد أسبوع .

وبعد شريط الحفر المتعدد علي اليمين كانت تتراص سيارات مصرية قديمة قدم الزمان لم تتحرك من مكانها من أيام الاحتلال .. وأخري حديثة يقودها شوية عيال في صف أول وثاني .. وعليه فقد تبقي متر وربع فقط في كل حارات الطريق لمرور السيارات .. وهنا شعر المصري الأصيل أن مشيه داخل الجذمة طوال عمره كان أسرع بكثير من ركوب سيارة في شوارع مصر .. ولم يجد المصري الأصيل إلا سايس عويل ليصرخ فيه ليفتح خرم له كي يمر .. فصاح السايس فيه قائلا :أنت ابن مين في مصر أنت ؟!

شعر المصري الأصيل بغصة في حلقه و”بكالُّو” طلع فجأة في أصبع قدمه الكبير حتي خرم الجزمة .. ففتح باب السيارة وهتف  في فخر لا يخلو من الحسرة :

أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد فوق الأهرمين .. بس نسيت أعمل رصيف وشارع بحارتين نمشي فيه زي البني أدمين .!!