مشوار "سعيد حزين" للفيلسوف "الضيف أحمد"

سما جابر

أحلام وطموحات وأمنيات.. تفكير وتخطيط للمستقبل، حياة قصيرة لم يشغلها سوى العمل الدؤوب وتحقيق الحلم، ومشوار كوميدي ناجح بامتياز ينتهي في بدايته نهاية حزينة، تاركًا ذكريات كبيرة لا زالت مستمرة وستستمر للأبد.

لم يكن 16 أبريل عام 1970 يومًا عاديًا في حياة الأصدقاء الثلاثة جورج سيدهم وسمير غانم والضيف أحمد، بل كان يوم مصيري لفرقة ثلاثي أضواء المسرح التي انتهى رونقها في عز مجدها بعد وفاة الضيف في هذا اليوم، مات الفنان الصغير في السن، الكبير في الموهبة قبل أن تتحقق أحلامه الكبيرة، ليس له فقط، بل لصديقيه أيضًا وكل من حوله.

طموحات لا تنتهي

لم يعش الضيف في سنوات عمره القليلة التي بلغت 34 عامًا، لنفسه فقط، لكن كان يشغل باله دائمًا أحوال من حوله.. فرقته “ثلاثي أضواء المسرح” التي أسسها بشكل رسمي قبل وفاته بثلاث سنوات، ولم ينفصل عنها حتى آخر لحظة في حياته، أو أسرته، فقبل وفاته بستة أشهر اشترى قطعة أرض في قريته له ولأشقائه كرمز للوفاء العائلي، وتوفي قبل أن ينتهي من بناء منزل كبير للعائلة هناك.

كما أن دخله من عمله بالفن فكان بجانب إنفاقه على نفسه وأسرته الصغيرة، كان أيضًا لغفير قريته نصيب من هذا الرزق.
لم تتح الأقدار أن يعيش الضيف أحمد بعد وفاته بفنه فقط، لكن أيضًا أن يكون اسمه خالدًا من خلال قريته، حيث ذكرت بعض التقارير الصحفية أن بعد وفاته أطلقت قريته تمى الأمديد التابعة لمحافظة الدقهلية، اسمه على المدرسة الثانوية التي كان يدرس بها، كذلك على الشارع الرئيسي بالقرية تخليدًا لذكراه.

العقل السليم

رغم حجمه الصغير وملامحه الطفولية، إلا أن ذكاءه وطموحه وموهبته الفذة جعلته يستطيع قيادة فرقة ثلاثي أضواء المسرح، ويصبح “العقل السليم” الذي يخطط ويدبر ويخرج ويقود، بجانب اشتراكه في التمثيل، حتى وصل بالفرقة مع صديقيه إلى قلب وعقل الجمهور، لتظل “ثلاثي أضواء المسرح” الفرقة الأنجح على الإطلاق في تاريخ الفن في مصر حتى الآن.

بدأ الضيف كعضو في فرقة الثلاثي بعد أن تعرف على صديقيه سمير وجورج من خلال مسرح الجامعة، ثم شغل منصب المدير الفني بالفرقة، كما كتب وأخرج عددًا من الأعمال الناجحة التي جمعتهم سويًا؛ بجانب تلحينه لكل الاسكتشات التي قدموها.

الفيلسوف

دراسته للفلسفة في الجامعة والثقافة التي تمتع بها ظهرت بشكل واضح على طريقة حديثه وبعض أدواره التي قدمها، حيث قال في حوار نادر له مع الإعلامية سلوى حجازي إن دراسته ساعدته اختيار ما يرضي الجمهور وما يثير استيائه، موضحًا أنه يتمنى أن تكون الكوميديا في مصر معتمدة على “الفارس الفكري”، أي أن يفكر الجمهور في الموقف ثم يضحك، لافتًا إلى أن هذا من أصعب الأنواع على الممثل، متمنيًا تطوير المسرح الكوميدي واتخاذه شكل جديد، يستخدم فيه الخيال والخروج الجزئي عن المجتمع.
بجانب الفلسفة أيضًا أكد الضيف أنه مع أعضاء فريقه دائما ما يناقشون في رواياتهم واسكتشاتهم حقائق علمية وواقعية، مثلما فعلوا في روايتهم “حدث في عزبة الورد”.

حياة ناجحة.. نهاية حزينة

رغم تقديمه خلال مشواره الفني القصير الذي لم يتخطَ 8 سنوات، ما يزيد بقليل عن 40 عملًا فنيًا، من ضمنهم أدوارًا صغيرة، لم تتعدَ المشهد الواحد، إلا أنه نجح في أن يبقى “الذكرى الحلوة” التي تتفوق على كل ذكريات الثلاثي، كانت طيبته وذكاءه وفنه واحترافه محور حديث أصدقاءه وكل من عرفه عن قرب، حتى بعد وفاته ظل “ضيفًا” على قلوب المصريين الذين تربى جيل كبير منهم على ما قدمه ثلاثي أضواء المسرح.

لكن المشوار المليء بالآمال والطموحات لم يستمر طويلًا وانتهى عند الرابعة والثلاثون بعد أن تنبأ “الضيف” بخبر وفاته قبلها بيوم واحد، فبعد أن انتهى من إخراج البروفة الأخيرة لمسرحية “الراجل إللي جوز مراته” والتي تطلب أحد مشاهدها أن يضع الحانوتى الضيف في النعش، ليقبض من حوله قيمة التأمين على حياته، عاد مُرهقًا إلى بيته وهو يعاني من الاختناق جراء الجهد الذي بذله، وشعر بآلام حادة في الصدر، حتى نُقل إلى مستشفى العجوزة ليفارق الحياة متأثرًا بسكتة قلبية، في عمر صغير، تاركًا طفلة لم تبلغ العامين.

ما بعد النهاية

بموت الضيف أحمد الذي كان ضيفًا خفيفًا على الحياة، “ماتت” فرقة أضواء المسرح أيضًا، فكيف يمكن لسمير وجورج أن يكملا المسيرة بدون رفيقهما الثالث؟ حيث رفض كل منهما أن يستعينا بشخص آخر لمواصلة نجاحات فريق “ثلاثي أضواء المسرح”.

انتهت أضواء المسرح من الشاشة والمسرح، لكن لم ينتهِ مشوار سمير وجورج بأعمالهما التي خلدت أسمائهما، وبما قدموه تحت اسم فرقتهم الشهيرة مع رفيق كفاحهم، “الفيلسوف” الضيف أحمد.