بالصور.. البنات أسوأ الكائنات على موقع "صراحة"

نسمة سمير

“إليكم هذه الرسالة العاجلة.. نحب أن نذكر السادة المشاهدين بأن عملية التطهير السنوية قد بدأت.. وستعلن صفارات الإنذار التي تسمعونها الآن عن السماح بارتكاب جميع الجرائم التي تودون ارتكابها دون أي مسؤولية قانونية، ومنها القتل بالطبع، ستتوقف خدمات الطوارئ والإسعاف عن العمل خلال الاثنتي عشر ساعة القادمة، لذا نتمنى لكم عملية تطهير سعيدة مع تحيات الحكومة .. جزيل الشكر لمشاركتكم هذه السنة .. أمة تولد من جديد”، ربما تشعر بالصدمة عندما تسمع تلك الجمل فى بداية الفيلم الأجنبي “التطهير”، ولكن بكل تأكيد سيتملكك هذا الشعور بشكل أكبر عندما تجد أن هذا هو ما يحدث في الوقت الحالي من خلال موقع “صراحة”.

بمجرد انتشار موقع “صراحة” على الفيس بوك، بدأ عدد كبير منا يستخدمه بحثًا عن الضحك أو رسائل محبة قد تمدنا بشيء من الفرحة أو ربما إتاحة الفرصة لمن يحبونا أن يعترفوا لنا بذلك خلف الشاشات، وأول مشكلة كشفها “صراحة” هى “سكرين شوت” للرسائل والتباهي بكم المحبة التى وصلت البعض رغم أن ذلك ضد مبدأ الفكرة والتى تعتمد على السرية، ولكن الأزمة الكبرى اتضحت فى الرسائل السلبية والتى قد وصلت إلى تمني الموت، لم يتوقع أحدا منا كم الكراهية التى تم إلقاءها فى الرسائل الغير معروف أصحابها.

 

لحظات الاختيار الحر هى التى تكشف دائما حقيقة ما نحن عليه، فى الفيلم الذى أشرنا إليه، 12 ساعة بدون رادع أو عقاب كانت كافية لوقوع مئات الجرائم التى ترتكب باسم “التطهير”، وهنا كان الموقع الذى صممه شاب سعودي كافي لقذف سموم وأحقاد وأمراض باسم “الصراحة”، مما يؤكد أن ما نراه من ابتسامات دبلوماسية ومجاملات اجتماعية ودموع كاذبة ما هو إلا زيف وخداع، ولكن عندما يمُنح الأفراد لحظات اختيار حره فيجب عليك وقتها الاستعداد للمفاجأت، فستجد صديقك يتمنى لك الموت، وقريبون منك يحقدون عليك ويفرحون بمرضك وحزنك.

 

“لن أعيش ولا أود أن أكون أول المنافقين فى أرض النفاق بل أريد أن أكون أول من يخلع رداء النفاق فى أرض النفاق فأبدو على حقيقتى أنانياً مغروراً”، كان محقا الأديب الكبير يوسف السباعي عندما قال تلك الكلمات فى روايته أرض النفاق، فالصراحة هى أن أواجهك بما فى قلبى ولا ألقيه كحجر من وراء موقع يحجب هويتي، فيتحول الأمر من صراحة إلى وقاحة ومرض، ما فائده أن نبني مساجد ونزين صفحاتنا الشخصية بالآيات والأحاديث التى تنهي عن الغيبة والكذب والنفاق، وندعو إلى الحب والسلام والتسامح، وبمجرد أن تُعطى لنا فرصة للسب والتجريح دون ان يعلم أحد هويتنا نعيث فى الأرض فسادا وكرهًا.

” اتق شر من أحسنت إليه ” ، تثبت هذه الجملة مع الزمن صحتها، فأغلب من نعاملهم معاملة حسنة هم أول من يبادرون بالشر عندما تتاح لهم الفرصة، ففى أحد الرسائل قالت فتاة لآخرى أنها تكره قدرتها على فعل الخير وحب الناس لها وأنها تساعدها مرارا وكأنها ملاك، ولكنها تكرهها وترى أنها شيطان ظالم يخدع الناس ليكتسب محبتهم وتتمنى لها الحرق، ومن جهة آخرى قمت أنا بتجربة هذه اللعبة وسألنى احد الأشخاص “هل من يكتب لكِ رسالة عبر هذا الموقع لا تُعرف هويته؟” فأجبته بنعم وقبل أن أنهى الكلمة كان كتب لى “أنتِ تافهة قوي”، لم يكن وقحًا وحسب ولكن غبيًا لم ينتظر لحظات حتى يبعد عنه الشبهة ، ثم ابتسم لي وكأنه لم يفعل شيئًا.

البنات أسوأ الكائنات على موقع صراحة، للأسف هذه حقيقة فأغلب الرسائل الممتلئة بالحقد والكره والمشاعر السلبية كانت من قبل فتيات وليس رجال، منهن من تمنت الموت لزوجة رجلًا تحبه، أو لوالد صديقتها أو أخيها، ومنهن من فرحت بإصابة فتاة بالسرطان ومنهن من اكتفت بإعلان كرهها وحقدها، ما كل تلك القسوة التى تملكت من البشر، فأصبحت كلمة إنسان لا تعني الرحمة بل الغش والخداع والكراهية والنفاق خلف قناع الشكل الاجتماعي، فتلك اللحظة الفارقة اختبرت المبادىء والقيم فتحول النقد إلى نار تحرق صاحبها قبل الآخرين، فأصبحنا شعب يكتب عبر صفحته “أحب الجميع وأتمنى لهم السعادة”، وفى الرسائل المغلقة، “أكره الجميع وأتمنى لهم الموت”.

” القديس العاهر”، هو الشخص الذى يرتكب الآثام ويرتدي عباءة الفضيلة أمام الناس، اعتدنا على وجوده بيننا ولكن الكارثة التى أفجعتنا، أنهم أصبحوا كثيرون وقريبون منا للغاية وكشفوا عن بشاعتهم لمجرد تأكدهم أن هويتهم لن تُعرف، “فالصراحة أعيت من يبتغيها”، فالضمير أصبح مدللا لا يعمل، يوضع فقط على كرسي مرصع بالأخلاق الكريمة، وأسفل جلده “علق” يمتص دماء الأنقياء الصادقين، ثم يبدأ بوخز صاحبه برقة وحنان، فتبكي الفضيلة على أبناءها الذين تجردوا من الأخلاق ورقصوا عراة دون خجل فى وضح النهار.

“بقينا نحبس في الصدور سؤالنا ونحسد الصادق على صدقه، ونقف بين العاشق وبين عشقه، نهرب من الصافيين إذا بكيوا، ونحسد الباكيين إذا ضحكوا، متمنعوش الصادقين عن صدقهم”، بالفعل حسدت بعض الفتيات آخريات على مرورهن بحالة عشق أو بمحبة الناس لهن، هل كان نصيب الفتيات أكبر من الرسائل السوداء لكرههن لأنفسهن؟، هل عُقد المجتمع شكلت منهن وحوشًا لا يعرفن قيمة أنفسهن؟، فاختزلن الحياة فى زواج وسفر وملابس وعدد متابعين على “فيس بوك”؟، اعتقد أن هؤلاء الفتيات اللاتي بعثن بهذه الرسائل القاسية هن من يحتاج للشفقة، ربما عليهن التخلص من تلك الأفكار وحب أنفسهن قبل أن يكرهن الجميع.

أسدلنا ستار النفاق على حياتنا، مبررين ذلك بأن الحياة لا مكان فيها للصرحاء، والمنافقين هم من تحبهم الدنيا، وطالما لن يزول قناع الغش من فوق وجوههم فما العيب في بعض الكذب، فالجميع يقرع الطبول من أجل المصلحة سواء مصلحة الوطن أو المؤسسة أو المنزل أو العلاقات، وهكذا تقضى المصالح بالحب أقصد بالنفاق، ولكن نار النفاق ستحرق أصحابها بلا شك، علينا جميعا أن نقف أمام المرآه ونتعرى من جميع الأقنعة الاجتماعية، وقتها سنصدم بلا شك وسنجد شرورا راقدة بداخلنا علينا التخلص منها قبل أن تقتلنا أو تحولنا لمسوخ، وإذا أردت أن ينافقك غيرك نافقه، من يريد أن يمضى حياته مخدوعا فليخدع غيره، ولكن من أراد أن يحظى بصحبة صادقة ولو قليلة فعليه بالصدق لعله المنجي.