أحمد عدلي: أيها الصحفيون.. ارحموا أهالي الشهداء

قد تطلب منك الصحافة التخلي عن مشاعرك، لكنك في النهاية ستكون إنساناً يرى ويقدر وقد يفشل في التخلي عن مشاعره، لكن أن تكون مستغلاً فبالتأكيد هناك أمر بحاجة إلى تصحيح خاصة عندما تقوم باستغلال بعض البسطاء الذين ربما يرى كثيرون منهم الإعلام للمرة الأولى.

لا أنكر أن بداية عملي في قسم الحوادث تركت أثراً كبيراً في شخصيتي، جعلتني أتعامل مع الضحايا باعتبارهم أرقام، كلما زاد الرقم زاد الاهتمام بالحادثة لدرجة بدأت أشعر معها أن الحادثة التي يقل ضحاياها عن 20 لا تعتبر حادثة في ظل المتغيرات الأخيرة التي جعلت الضحايا بالعشرات يومياً.

شاركت في متابعة حوادث عدة بحكم عملي من بينها حوادث القطارات وكارثة استاد بورسعيد وغيرها من الأحداث التي جعلتني أتعامل مع الأسر التي فقدت أبناءها باعتبارهم مادة صحافية مقروءة، وهي حقيقة لدى كثيرين، فالجمهور يجب أن يعرف قصة الشهيد الذي فقد حياته وكأنه ملاك لم يخطئ في حياته، فكان يحب والديه ويعول أشقائه وأفضلهم في التربية والنشأة وغيرها من العبارات التي لن تجد من يقولها عنك إلا عندما تتوفى في ظروف مماثلة أو يرثيك بها والدك عند وفاتك.

unnamed (1)
أحمد عدلي

نقطة التحول في علاقاتي بالتعامل مع هذه النوعية من الموضوعات كانت مشاهدة فيديو حرق الطيار الأردني معاذ الكسباسبة، هل من شاهد الفيديو فكر لثواني أنه يمكن أن يكون مكانه في يوم ما، هل فكرت لثواني أن نهايتك قد تكون معصوب العينيين وبطلقة في رأسك كما حدث مع النقيب أيمن الدسوقي قبل أسابيع الذي خطفه داعش من وسط زملائه دون مقاومة أو محاولة للمواجهة وهو أمر رغم ما يطرحه من تساؤلات إلا أنك لا تستطيع أن تطلب من شخص أن يضحي بحياته إن لم يكن لديه قناعة بذلك بغض النظر عن منصبه وجهة عمله وهو أمر لا أعتقده موجوداً لدى كثيرين بجدية في عصر الإنترنت والرفاهية المتاحة في العصر الراهن.

ربما يكون التفكير في إعادة النظر بتقييم العلاقة بين الإعلام وهذه الأحداث الإنسانية الخالصة أمراً ضرورياً بعدما تحول الأمر من وفاة أو مقتل بالرصاص والخرطوش إلى قطع الرأس، ضع والدك ووالدتك مكان أي من الشباب المذبوحين على يد داعش في ليبيا، تخيل أن والدتك ووالدك اللذان قاما بتربيتك منذ طفولتك حتى صرت شاباً وهما يران عملية ذبحك مثلما تدبح الفروج ورأسك منفصلة عن جسمك، ولن يعرفا مكان جثمانك، سيكونا محرومين من زيارة قبرك، من إلقاء النظرة الأخيرة على وجهك، لن تقبلك والدتك، لن تعرف عنوانك بعد الآن، ستظل تسأل هل دفن ابني في بلد غريبة لا أعرف مكانه فيها أم أن جثمانه ألقي للسمك ليأكله في المياه؟ تتصور الأسماك وهي تنهش في جسد ابنها الذي أنجبته وقامت بتربيته لسنوات طويلة.

هل تستطيع معرفة ماذا سيقول والدك؟ ماذا ستعلق والدتك؟ مع الأخذ في الاعتبار أن مستوى الدراسة والوسط الاجتماعي قد يلعب دوراً في طريقة التعبير عن الحزن والألم، تخيل أنهم لا يجيدون القراءة والكتابة، كل علاقاتهم بالتلفزيون مشاهدة الأفلام والاستماع إلى نشرة الأخبار بالتلفزيون المصري أو متابعة لميس الحديدي، كيف ستكون ردة فعلهم؟

أسئلة يمكن أن تسألها لنفسك قبل أن تطلب من أسر الشباب التعبير عن مشاعرهم أمام الكاميرات التلفزيونية،وتطلب أن يقوم كل منهم بالتسجيل لكاميرا محطة فضائية مختلفة، هل تتوقع أن لديهم القدرة على فعل ذلك، إذ وضعت نفسك مكانهم ستجد أن ما نقوم به كصحافة وتلفزيون في حق هؤلاء المواطنين البسطاء بحاجة لتقويم وتصحيح، فاللحظات الإنسانية ليست حكراً على أحد، كلنا بشر لنا لحظات ضعف ولحظات قوة، ارحموا من في الأرض يرحمك من في السماء.

اقرأ أيضًا:

الإعلاميون يعلقون على مقتل 21 مصريًا بليبيا

ارتباك مذيع الجزيرة بعد التهديد بقصف قطر

“نافعة”يهاجم الجزيرة: تدافعون عن داعش

صحفي الجزيرة المحبوس ينتقد تغطيتها لإرهاب سيناء‬‎

محمد صبحي يبكي على الهوا بسبب رسالة من خطيبة شهيد

الحداد على سي بي سي = سيرة حب

الفجر: لا حداد إلا بعد القصاص‎

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر فيس بوك من هنا