أحمد فرغلي رضوان يكتب: السياسة تقتل الدراما يا..مولانا!

عندما تتغلب السياسة بأفكارها ومواقف أصحابها على العمل السينمائي فلا تنتظر دراما جيدة تبهرك في دار العرض، هذا ما أصاب فيلم “مولانا” للمؤلف إبراهيم عيسى والمخرج مجدي أحمد علي، فصناع الفيلم من “التأليف للاخراج وحتى الانتاج” ذهب تركيزهم بعيدا في إتجاه أخر، أفكار كثيرة “دينية وسياسية” تزاحم بعضها البعض داخل الفيلم يريدون وضعها أمام المشاهد حتى ولو على حساب الدراما! فتجد شخصيات تظهر وتختفي خلال أحداث العمل دون رابط درامي “مقنع” للمشاهد العادي  والمهم فقط أن يضع الشيخ “حاتم الشناوي” أفكاره قبل نهاية الأحداث! فيتحدث الفيلم عن التصوف ثم يقفز إلى التنصر ويعرج على الشيعة والسلفيين “كأنه درس ديني” في حلقة تليفزيونية للمؤلف وليس عمل سينمائي به شخصيات تتابع تطورها وبناءها الدرامي تتعاطف معها أو تكرهها وتعيش معها قصتها !لذلك لم يحصل الفيلم على جوائز بمهرجان دبي وحصدها شباب من المخرجين “شريف البنداري ومحمد حمّاد” بتجارب أولى أحسنوا صنعها سينمائيا.

الفيلم شديد “السطحية” يطرح عناوين كبيرة لموضوعات دينية هامة ولا يعالجها دراميا بإجابات مقنعة واضحة مثلا لم يوضح التنصير “أسبابه ودوافعه” يبدي تعاطفا مع الشيعة والصوفية ويهاجم السلفيين ، ومع أن المؤلف تحدث عن معظم الجماعات الإسلامية في مصر إلا أنه لم يشير من قريب أو بعيد إلى الاخوان المسلمين!  وتجد كثيرا من الجمهور خرج وهو غير فاهم لما طرحه الفيلم من افكارا وقضايا ولَم يستوعبوا سوى المشهد الختامي للفيلم عندما قدم الشيخ “حاتم” خطبة بليغة وعاطفية داخل الكنيسة وهي من أكثر مشاهد العمل تأثيرا في الجمهور.

ثرثرة على شاشة السينما!

يبدو أن المؤلف فرض وجهة نظره “القوية” على المخرج  والذي انساق وراءه، مع أن المخرج مجدي أحمد علي صاحب تجارب سينمائية جيدة! فنجد شخصية الشيخ حاتم  وعلاقته بالمحيطين به غير واضحة وتطورها الدرامي غير “منطقي” وتشعر أن هناك جزءا ما “ناقص” لكي تكمل الشخصية، فلم نجد علاقة واضحة بينه وبين زوجته والموقف الدرامي الأهم انسانيا لشخصية “حاتم” في العمل كان ضعيفا وغير مقنع “غرق الطفل” والذي لم نعلم مصيره رغم تعلق حاتم الشديد به! وتجده وهو رجل الدين يتعاطف مع الشاب “المتطرف” ويحنو عليه! والفتاة التي ظهرت فجأة لتوقع به من قبل “الأمن” لماذا لم تتطور العلاقة بينهما لعلاقة حب وزواج مثلا لتقنع المشاهد أكثر والعجيب أن الأحداث جعلتها تعود فجأة بعدما أوشت به دون مبرر “لتعتذر” له وتعطيه “الداتا” التي سلمتها من قبل للشرطة، دون مبرر درامي منطقي! ولكن نهاية الأحداث اقتربت ونريد وضع أي نهايات للشخصيات! وحتى شخصية “الراهب” الذي يعرف تفاصيل تفجير الكنيسة ولكنه يكشف ذلك للشيخ حاتم بهدوء غير منطقي و”مستفز”!

ماذا لو قرر صناع الفيلم الإبتعاد عن شغل وإرباك المشاهد بقضايا تخص عقولهم وتقديم عمل درامي متماسك عن الشيخ “حاتم الشناوي” كانسان وعلاقته بالمحيطين به وهي شخصية “ثرية” دراميا وبها الكثير ليقال وهي تشبه شخصيات من “الدعاة الجدد” ظهروا ولمعوا في السنوات الأخيرة! وبعضهم أرتبط واقترب من السلطة واصبح ملء السمع والبصر في العالم العربي، من الممكن أن يحمل العمل السينمائي والدرامي “سياسة” ولكن كيف تقدم بالعمل ، مثلا نجيب محفوظ في الثلاثية أو حتى بالسياسة التي قدمها وحيد حامد في أعماله أو اسامه أنور عكاشه ! فستجد ان الدراما كانت لدى هؤلاء أقوى وأكثر ترابطا ومقنعة وتتذكر جميع شخصياتها وربما لو تم ترك الرواية لسينارست كانت النتيجة ستكون أفضل بالتأكيد من تصديه هو والمخرج لكتابة الحوار والسيناريو! فوضع المؤلف جملا صعبة الفهم وتحتاج لشرح ولكنه كما قلت كان يريد وضع معظم أفكاره في العمل دون الإلتفات انه عملا “فنيا” وليس حلقة نقاش فتجد مثل هذه الجمل “المسيحية من يوم ماطلعت من بيت لحم بقت سياسة والاسلام من يوم ما مات النبي وهو بقى سياسة _ إن الدين عند الله الاسلام دي في الاخرة لكن في الدنيا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولكم دينكم ولي دين _ ابو هريرة وكعب الأحبار مانطقوش بحرف من أحاديث النبي إلا بعد موت ابو بكر وعمر فظهرت الآلاف من الأحاديث فيها الضعيف والمضروب نفاقاً في بني أمية”.

عمرو سعد

أكثر ما يلفت نظرك بالفيلم الجرأة بالحديث عن تفاصيل تخص النظام الأسبق وجهاز أمنه وكيفية تعاملهم مع الأمور وكذلك الجرأة بذكر تفاصيل “شخصية” لأحد رموزه! وهو أمر يحسب للعمل  وعلى مستوى التمثيل لا تتذكر سوى الأداء “الجيد جدا” للفنان عمرو سعد وهو يعيد إكتشاف نفسه “كممثل” موهوب وعابه فقط المبالغة بحركات اليد والجسد للشيخ “حاتم” والتي بدت غير طبيعية ومصطنعة وكأنه يقلد “شخصا” ما ولكنه أفضل أدواره في السينما بالتأكيد ويستحق التقدير عليه، ويبدو إنه “ذاكر” الشخصية جيدا وأحبها ولكن الثغرات في الأداء كان يجب ضبطها عن طريق المخرج .

بالتأكيد هناك مشايخ لكل عصر بعضهم يكون مثل البطل في “ظل” السلطة ومهادن لأهلها ورجال أعمالها وغالبا ما تصنعهم السلطة بعد أن تختارهم من الظل ويتم تلميعهم وتقديمهم للجمهور، صناعة تثبت نجاحها في الدول العربية بصفة عامة حيث يكون لهؤلاء المشايخ محبين ومريدين يلقنونهم ما يشاءون أو كما تشاء السلطة، وربما تربط بعد ان تشاهد “مولانا” بينه وبين شخصيات أخرى في الحقيقة.