محمد عبد الرحمن يكتب: مولانا.. كل هذا الجدل

نقلاً عن مجلة صباح الخير

في أسبوعه الأول ورغم برودة الطقس في بدايات العام الجديد نجح فيلم “مولانا” في تحقيق إيرادات تجاوزت حاجز الخمسة ملايين جنيه، محققا مفاجأة على أكثر من مستوى، بداية من كون الفيلم لا ينتمي موضوعه للتيار الجاذب للإيرادات في السينما المصرية وهو تحديدا التيار الكوميدي، وكذلك أفلام محمد رمضان ذات الطابع الشعبي، والمستوى الثاني مرتبط بأنه حتى الأفلام الجادة التي تصل لشباك التذاكر بعد العرض في المهرجانات مثل “نوارة” و”اشتباك” لم تحقق هذه الإيرادات في أسبوعها الأول بل خرجت من السباق بعد عدة أسابيع دون أن تقترب من إيرادات “مولانا” ، بالطبع لا يمكن تحليل أي فيلم من خلال إيراداته فقط، لكن نافذة الدخل الذي حققه شريط مجدي أحمد علي مهمة لتفسير كيف نجح، كان “التربص” بالفيلم لأسباب غير فنية عاملا مساعدا على زيادة الإقبال عليه وتحوله إلى حالة خاصة، في بداية موسم سينمائي نتمنى أن يكون أفضل من المواسم السابقة، حالة مرتبطة بالاسم الأول في هذا المشروع، صاحب الشخصية والرواية وكاتب الحوار إبراهيم عيسى.

المقدمة لم تتسع بالمناسبة للفت الانتباه إلى أنه حتى القرصنة التي تعرض لها الفيلم بعد يومين فقط من إطلاقه وبنسخة مرتفعة الجودة، حتى القرصنة لم تؤثر على الإيرادات، ولا على حالة الجدل التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي حول الفيلم، تفسير ذلك في رأيي يعود لأنه لا يمكن التعامل مع “مولانا” كما تعامل الجمهور مع النسخة المقرصنة من فيلم “حسن وبقلظ” -فيلم علي ربيع وكريم فهمي الذي ضربته القرصنة في مقتل رغم أن النسخة كانت رديئة للغاية، لكن جمهور هذه النوعية من الأفلام يمكنه توفير ثمن التذكرة طالما وجد طريقا لمشاهدة إيفيهات علي ربيع الذي عرفه أيضا عبر مقاطع مجتزأة على يوتيوب وفيس بوك، لكن الحالة في “مولانا” مختلفة فالجمهور المهتم يريد أن يذهب إلى السينما ويقطع التذكرة ويعيش “الموود” تماما، و”الموود” هناك متنوع للغاية وهو سبب النجاح الذي تم ترجمته عبر الإيرادات.

فئات الجمهور

“الموود” مختلف لأن هناك من ذهب ليرى كيف تحولت الرواية التي قرأها إلى شريط سينمائي، وكيف جسد عمرو سعد شخصية “حاتم الشناوي” الشيخ الذي دارت حوله “مولانا” التي حققت مبيعات كبيرة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة وكادت تقتنص جائزة “البوكر العربية”، هناك من لم يقرأ الراوية لكنه مهتم بما يقدمه إبراهيم عيسى الذي كان قد بدأ –في صدفة سينمائية جدا- غيابًا غير محدد المدة عن شاشة القاهرة والناس، حيث انطلق الفيلم بعد 48 ساعة تحديدا من آخر حلقات برنامج “مع إبراهيم عيسى”، فئة ثالثة ذهبت حبا في عمرو سعد، صحيح أنه ليس نجم شباك لكن له جمهور يحب متابعته، وجاء برومو الفيلم مشجعا لكثيرين ليروا بطل “حديد” و”ريجاتا” كيف أصبح “مولانا”، فئة رابعة مهتمة بالخطاب الديني وقضية التطرف ونحن أمام أول فيلم يناقش هذه القضية من زاوية مختلفة عن تلك التي ظهرت في أفلام التسعينات وفي فيلم “الإرهابي” لعادل إمام على سبيل المثال، الإرهاب نفسه تغير، التشدد الديني باتت له أبعاد أخرى، خلط الدين بالسياسة رأينا نتائجه واضحة بعد ثورة يناير، كل ذلك جعل لـ “مولانا” جاذبية خاصة، أما الفئة الخامسة والأخيرة فهي الأهم في دعم الفيلم من وجهة نظري، وهي الفئة الرافضة لم
ا يقدمه إبراهيم عيسى والتي دخلت الفيلم من أجل أن تنتقده بالسلب فزادت من اهتمام الناس بالذهاب والمتابعة وعدم انتظار عرضه تلفزيونيا أو تحميله من مواقع القرصنة التي تم القضاء على معظمها سريعا.

أداء الأبطال

بالقطع لا يمكن الحكم على أي فيلم من زاوية الجدل فقط ولا تفسير الإيرادات بكون الفيلم مثيرا للاهتمام، لكن هناك صعوبة في تخليص” مولانا” من هذه الإشكالية، صعوبة لا تمنع من الاعتراف بأن الفيلم اعتمد بشكل كبير على الحوار أكثر من السيناريو، وأن عبارات عيسى التي نطقها الأبطال خصوصا عمرو سعد كانت لها الكلمة العليا بعيدا عن تفاصيل المشهد نفسه، كذلك شعر الذي قرأ الرواية بالتأكيد بأن الكتاب كان أكثر إشباعا له، وشعر الذي لم يقرؤه بأن هناك علامات استفهام متبقية بسبب اختصار السينما للأحداث، في الرواية مثلا نعرف بوضوح أن الزوجة – جسدتها درة- انقلبت على الشيخ حاتم لأنه ضعُف ولم يكن بجوارها في محنة مرض الابن، لكن ذلك مر في ثواني على الشاشة ولم يستوعبه المتفرج بل البعض ظن أن مرض الابن حدث ثانوي ولم يهتم به، كذلك حدث تشتيت فيما يتعلق بنجل العائلة الكبيرة؛ هل كان متطرفا وتظاهر باعتناق المسيحية أم اعتنقها ثم كفّر عن ذلك بتفجير الكنيسة؟، هنا يجب التوقف أيضا أمام الممثل الشاب أحمد مجدي الذي كان أداؤه أقل من الشخصية، وجاءت مشاهده مع “مولانا” وكأن الأخير يريد إقناع الشاب المتمرد بالإقلاع عن التدخين مثلا، فيما تميز أداء علاء حسني في شخصية نجل الرئيس، وجاء حضور معظم ضيوف الشرف جيدا خصوصا فتحي عبد الوهاب وصبري فواز ومن بعدهما إيمان العاصي أمام البطولة النسائية فكالعادة قدمت درة أقصى ما تستطيع، لهذا لفتت ريهام حجاج الأنظار بقوة رغم مساحة الدور المحدودة، وظهر “رمزي العدل” ليذكرنا بأن هذا الدور كان سيقدمه “سامي العدل” رحمه الله لو كان على قيد الحياة حيث إن “جينات العدلية” ممتدة في كل الأشقاء، فيما احتفظ الممثل المجتهد “محمد عبد العظيم” بلقب صاحب أقوى “إيفيه” في الفيلم وذلك في مشهد وجود رجال أمن نجل الرئيس في مكتب حاتم الشناوي، أما حاتم نفسه أو عمرو سعد فخرج من الفيلم رابحا الكثير وقدم دورا مميزا وإن عابه أحيانا الاقتراب من أداء أحمد ذكي في بعض المشاهد دون تعمد بالتأكيد لكنها ظلال “مولانا أحمد ذكي” على الموهوبين الذين يشبهونه من أبناء الجيل الحالي.