تفجير البطرسية : أنا أشك إذن أنا مستخدم لـ"فيس بوك"

فاتن الوكيل

مازال المجتمع المصري يتحمّل الرصيد الكبير الذي تتحمله أنظمة الحكم والسلطة “أي سلطة”، من عدم الثقة، لكن الأخطر، أن ذلك أصبح يؤثر على الحقوق التي يجب أن تُرد لشهداء وضحايا مصر بفعل الإرهاب، آخرهم 25 مصريا استشهدوا في تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، الأحد الماضي، أعقبه في اليوم التالي، الجنازة الرسمية التي أقيمت للشهداء، تخللها إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن اسم منفذ الانفجار وهو “محمود شفيق محمد مصطفى”، لينطلق سيل من التشكيك في النتائج المعلنة.

التشكيك هنا عادة ليست جديدة على المجتمع المصري، جزء من المشككين لديه كل الحق، وذلك بسبب عدم الثقة المتراكمة منذ عشرات السنوات في أجهزة الدولة، وجزء آخر يعرف كيف يستغل هذا التشكيك ليدافع عن أقرانه من الإرهابيين، وجزء آخر وهو الذي بالرغم من كرهه للإرهابيين، إلا أنه يُفضّل أن يغسل أيديهم من دماء شهداء التفجير، لمجرد أنه يُعارض أو حتى يكره نظام الرئيس السيسي.

سيناريوهات التشكيك

الدولة هي اللي فجرت

هذا الطرح الذي يتصف إما بالسذاحة أو الدناءة في بعض الأحيان لا يُصدق أن يقوم تكفيري بتفجير نفسه، بالرغم من أننا نراهم حولنا يوميا، يحملون أفكارهم الضالة بتكفير الآخر ومعاداة المسيحيين، وكأن هؤلاء المتطرفين هم ملائكة لا يمكنهم تفجير كنيسة، لكنهم يُصدقون أن دولة تريد لاقتصادها أن يتعافى وتريد للسياحة أن تعود حتى تخرج من المأزق الذي تعيشه حتى أصبح “شكلها وحش” أمام الشعب والعالم، هي التي تقوم بهذه التفجيرات!.

بيداروا فشلهم بكبش فداء

وهو السيناريو الأهم والذي يجب أن تلتفت إليه الدولة، وأن تتعامل معه بحكمة بعيدا عن الانفعال، لأن على الأقل هؤلاء المشكين بدعوى الفشل، يرغبون في معرفة الحقيقة لكن يمنعهم ذلك، عشرات التجارب السابقة من الكذب الرسمي، حتى قبل ثورة 25 يناير، بسنوات طويلة.

كان يمكن أن تتلافى الدولة هذا السيناريو إذا كان الإعلان تم عن طريق مؤتمر صحفي كبير، يُعلن من خلاله وزير الداخلية أو النائب العام عن نتائج التحقيق، ونتيجة الـ DNA وكاميرات مراقبة الكنيسة، كما نُشير إلى أن جزءا ليس بقليل من المعتقدين بهذا السيناريو أصبحوا يميلون إلى تصديق الرواية الرسمية ولكن أخّر ذلك، الإعلان المتقطع عن النتائج، مثل عرض فيديو المراقبة التابع للكنيسة بعد توزيعه على القنوات الفضائية لتعرضها برامج التوك شو ليلا.

علاقة ريجيني وسيد بلال بتفجير البطرسية

بعض المتشككين في الرواية الرسمية استعادوا سريعا الأداء الأمني المتضارب خلال معالجة قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، خاصة بعد أن أعلنت قوات الأمن قتل مجموعة اتهمتها باختطاف ريجيني، ثم أعلن الجانب الإيطالي رفضه لهذه النتائج، وأكد المتابعون أن هؤلاء أراد الداخلية لهم أن يكونوا “كبش فداء” للقاتل الحقيقي.

على الجانب الآخر، استدعى البعض شبح ما حدث مع المواطن سيد بلال الذي أُتهمت الشرطة بتعذيبه وقتله، وأرادت الأجهزة الأمنية وقتها أن تلصق به تهمة تفجير كنيسة القديسين، ثم تم الإعلان من قِبل وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، عن اسم جماعة فلسطينية هي المسئولة عن التفجير. وبالتالي فإن البعض تخوف من أن يكون محمود شفيق هو “سيد بلال” جديد، لكن هذا الشاب لم يكن مثل سيد بلال، لأنه “سوابق” في التطرف بتأكيد الأجهزة الأمنية، التي ألقت القبض عليه في مارس 2014، بتهمة حيازة أسلحة آلية، وأفرجت النيابة عنه على ذمة القضية في إبريل من نفس العام، وخلال هذه الفترة استطاع أن يهرب.

السيسي: متقولوش إن ده خلل أمني

بالرغم من أن الرئيس السيسي أراد بهذه الجملة أن يؤكد على أن الأجهزة الأمنية تقوم بدور كبير في مكافحة الإرهاب، إلا أنها حملت لدى البعض رسالة رفض للاعتراف بالأخطاء، وبالتالي كان هذا مدخل آخر للتشكيك في أن الدولة لا تُصوب أخطائها، كما أن سرعة الإعلان عن الجاني، أمر لم يتعود عليه المجتمع المصري، ومن هنا وجدها البعض فرصة للتشكيك في حقيقة النتائج.

 

أخبار مجهولة وتحليل شخصي

لن تتوقف المواقع الإخبارية عن عادة نشر أخبار ذات مصادر مجهولة، خاصة في الأحداث الكبرى مثل تفجير الكنيسة البطرسية، فهناك بعض المعلومات التي لا نعلم مصدرها، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، شكلت ما يشبه صورة شبه كاملة لكيفية وقوع الحادث، لكن دون معلومات مؤكدة. هذا الأمر أثر بالطبع على الصورة الرواية التي أعلنت عنها الدولة. فكيف يقوم شخص اقتنع برواية معينة أن يتخلى عنها ليُصدق رواية أخرى خاصة وإن كانت صادرة عن الحكومة؟.

من بين هذه المعلومات التي لا مصدر واضح لها، رواية دخول سيدة بحقيبة، ثم تركتها، لتخرج مسرعة ثم يحدث الانفجار. موقع الأهرام المسائي نشر هذه الرواية نقلا أن “مصدر أمني” ثم في نفس الخبر أعلن الموقع أن كاميرات المراقبة سيجري تفريغها، إذا لم يتم تفريغ الكاميرات في ذلك الوقت، ولم تأت هذه الرواية على لسان أحد المتواجدين في الكنيسة من الناجين.

لرواد السوشيال ميديا رأيا آخر!

بعض متابعي مواقع التواصل الاجتماعي اخترعوا تحليلات من مخيلتهم، بنوها طبقا لتجاربهم مع نظام التفتيش المخترق في مصر، حتى أصبح من الصعب عليهم تقبل سيناريو آخر، حيث قال بعض المغردين أن عربات الأطفال لا يتم تفتيشها لذلك يمكن أن تكون القنبلة قد وضعت في عربة أطفال.

تعجب البعض الآخر من كيفية الإعلان عن أن منفذ التفجير رجلا وليس امرأة كما أعلنت الرواية الرسمية، بالرغم من حدوث الانفجار في الجانب الذي تجلس فيه النساء. لكن هذا الرأي قضى عليه فيديو كاميرات المراقبة التي أوضحت دخول الإرهابي مسرعا من باب الكنيسة إلى الداخل، وعقب ثواني معدودة تم التفجير، إذا هو لم يحضر الصلاة مع المصلين، لكنه فجر نفسه بمجرد دخوله الكنيسة، وربما كان أقرب إلى جانب النساء ليس إلا.

المضحك والمحزن في نفس الوقت، هو تداول بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، صورة تم عمل “كوميك” منها للسخرية من الرواية الرسمية، تتلخص الصورة في صورة من الشاشة لقناة لشريط الأخبار الذي أظهرته قناة mbc مصر، خلال تصريحات السيسي في جنازة شهداء البطرسية، عندما أعلن عن اسم المنفذ، بينما في الشريط كُتب “السيسي: تم القبض على شاب اسمه محمود شفيق محمد مصطفى دخل الكنيسة وفجر نفسه بداخلها”، من الواضح أن المسئول عن كتابة شريط الأخبار في القناة أخطأ في الكتابة، لأن السيسي لم يقل ذلك، ويمكن مراجعة فيديو تصريحاته، لكن الغريب هو أن هناك من استمع إلى الكلمة ويريد معرفة الحقيقة، لكنه يُصدق شريط أخبار في قناة واحدة أخطأت في كتابته!.

الحقيقة الواضحة حتى بعد إعلان داعش عن مسئوليتها عن الانفجار، هي أن الانقسامات التي ضربت المجتمع المصري، لم تعد تتلخص في انقسامات سياسية، ولكنها أصبحت “أهواء” فهناك من لهم كامل الحق في الشك، خاصة مع أجواء عدم الثقة التي تتزايد منذ سنوات، لكن يجب أن يكون هذا الشك طريقا لمعرفة الحقيقة، لا أن يكون تشكيك مقصود بمنطق “أنا مع أي حد ضد السلطة”، حتى لو كان هذا “الحد” إرهابي سفك دماء مُصلين في الكنيسة البطرسية.