علي أبو شادي عدة وجوه لناقد “قام بواجبه”

 

أندرو محسن 

هذا الحوار نشر في مجلة فرجة عدد مايو 2016 ونعيد نشره بمناسبة حلول عيد ميلاد الناقد الكبير علي أبو شادي اليوم

المخرج والسيناريست الراحل رأفت الميهي كان يرى فيه أن مكانه هو الكتابة للسينما أما هو فكان يفضل أن يكتب عن السينما، لا أدري إن كنا خسرنا مبدعًا في مجال الدراما ولكني على يقين بأننا كسبنا كاتبًا وناقدًا هامًا جدًا هو الأستاذ علي أبو شادي.

في حوار طويل امتد لما يزيد على الساعتين حاولت الإحاطة بالوجوه المختلفة للناقد الكبير ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية والمركز القومي للسينما الأسبق، ولكن مع شخص شغل الكثير من المناصب الهامة وعاصر عدة أجيال سينمائية هامة غيرت في تاريخ وشكل السينما المصرية، يصبح الوقت قصيرًا مهما طال وتصبح الكلمات مقصرة وإن كثرت. ولكن بقدر الأمكان كانت لنا جولة في أهم الجولات العديدة التي خاضها الأستاذ علي طوال مشواره الحافل.

حكاية جيل يعشق السينما:

الأجواء كانت مهيئة للكتابة السينمائية مع بداية السبعينيات ولكنني اخترت أن أكتب عن السينما وليس عنها، يضيف مازحًا، أنا أحب أن أصحح للناس وليس أن تصحح لي الناس. البداية الحقيقية كانت في عام 1972 مع دخولي إلى معهد النقد ومعه بدأت الكتابة النقدية وتدرجت في المساحات شيئًا فشيء. لا يمكن المرور على هذه المرحلة دون التوقف طويلاً عند نوادي السينما التابعة للقصور الثقافية التي تشرف عليها وزارة الثقافة. كان في مصر آنذاك 27 نادي سينما موزعة على كل المحافظات اختفت كلها تقريبًا في الوقت الحالي، وكنت أنا وأبناء جيلي نواظب على السفر أسبوعيًا لهذه النوادي، أسبوعيًا كان هناك فيلم سينمائي يعرض وتليه مناقشة مطولة حول الفيلم.

كل ناقد كان يتولى محافظة لزيارة النادي الخاص بها أسبوعيًا، الناقد كمال رمزي كان مسؤولا عن الفيوم، والناقد سمير فريد كان يزور محافظة بنها والجدير بالذكر إنه كان يقوم بطباعة دراسته عن الفيلم المعروض على نفقته الخاصة لتوزيعها على رواد نادي السينما، في حين كان الناقد مصطفى درويش متخصص في الإسكندرية وأسوان.

كنت أنا مسؤولا عن المحافظات البعيدة وتحديدًا سوهاج، أسبوعيًا كنت أقوم بركوب القطار حتى محافظة سوهاج، أصل إلى الأوتيل ذو الـ 3 نجوم لأضع حقيبتي وأجهز نفسي للعرض الذي يبدأ في تمام التاسعة مساءً، كل هذا كان مقابل 4 جنيهات فقط. أذكر أني بدأت زيارة النادي وكان يتردد عليه شخص واحد فقط كان يأتي إلى النادي بالدراجة وبعد انتهاء الفيلم يصطحبني إلى حتى الأوتيل، ثم ازداد هذا العدد تدريجيًا، من ناحية كانت قصور الثقافة آنذاك تعرض الأفلام التجارية المعروضة ومن هنا كان رواد المكان يعرفون بعروض نادي السينما، بالإضافة إلى أن فكرة الحوار بعد الفيلم خلقت جو من الحميمية بيني وبين الرواد مما جعل من يحضر مرة يشجع غيره على الذهاب في المرة التالية. كل هذا أضاف إلي وإلى جيلي على عدة مستويات، من الجهة السينمائية شاهدنا الكثير من الأفلام ومن الجهة الثقافية كنا “نذاكر” جيدًا قبل أي محاضرة بالإضافة إلى الثراء الذي أضافه لنا التعامل مع شخصيات وعقليات مختلفة، ولمعرفة مدى القيمة التي صنعتها أندية السينما يكفي معرفة أن النشرات التي صاحبت الأفلام المعروضة تم جمعها في 52 مجلد والمجلد الواحد لا يقل عن 300 صفحة، هذه النشرات كنت أشارك فيها بالكتابة أحيانًا وأحيانًا أخرى بالمراجعة والتصحيح.

جيلنا كان شديد التعاون والترابط، أذكر أن سمير فريد كان يعود من مهرجان “كان” محملا بنشرات وكتب لزملائه، في حين كان ليوسف شريف رزق الله دور كبير في تثقيف النقاد أنفسهم، فكان يقوم بنفسه بترجمة أهم الدوريات مثل مجلة “كراريس السينما” الفرنسية  و “إمباير” الإنجليزية لاحقًا وهو مترجم هائل بالمناسبة.

تأثير نوادي السينما والثقافة الجماهيرية:

عندما بدأت عملي في نادي السينما بسوهاج كان هناك شخص واحد يحضر -كما ذكرت- وعندما غادرته كان العدد  قد ارتفع إلى 150 شخصًا يذهبون لحضور الفيلم ويشاركون في المناقشة حتى يغلقون النادي، الوعي السينمائي نفسه تطور خلال الوقت، فمن كان يخجل أن يقول رأيه في المرات الأولى، صار يشارك ويسأل ويعلق لاحقًا بسبب الجو العام المشجع. طلبة الأقاليم والطلبة المغتربين كانوا يشكلون جمهور كبير، وأخرجت هذه النوادي كتابًا وسينمائيين آخرين أذكر منهم الكاتب مدحت محفوظ الذي كان من أبناء محافظة المنيا.

كنا نعرض الجيد من أفلام العالم كله مع الحرص على وجود الترجمة العربية، وفيما بعد أضفت ما أسميته بأسبوع السينما التسجيلية، قبل ذلك كانت الأفلام التسجيلية تعرض مع أفلام أخرى إلى أن بدأت بإضافة هذا الأسبوع لاختيار مجموعة من الأفلام التسجيلية يتم عرضها معًا.

هذه التجارب كان لها أثر كبير علينا، وأثر أيضًا في القراء الذين يقرأون لنا، فصار القارئ بعد فترة يدرك جيدًا الفارق بين النقد الذي يكتبه ناقد فني متخصص وبين الرأي الفني الذي يكتبه صحفي.

أما تأثيره على صناعة السينما نفسها فكان أكبر، أرى أن ما خلقته أندية السينما من وعي وذائقة لدى روادها حمى السينما وخاصة الواقعية التي انطلقت في الثماينينات من هجوم آخرين غير مدركين لقيمتها.

عندما غادرت الهيئة في بداية عام 2001 كان لا زال هناك نوادي للسينما ولكن خفتت تدريجيًا كما أي شيء آخر ولأسباب غير مفهومة.

وكانت لي تجربة هامة أخرى عندما استلمت منصب مدير إدارة السينما في الثقافة الجماهيرية بين عامي 1981و1989حيث حرصنا على عمل تقليد سنوي، أن أصطحب كبار الفنانين إلى المحافظات المختلفة في الأعياد القومية للمحافظات مع إقامة أسبوع سينمائي في هذا التوقيت. صاحبت المخرج الراحل يوسف شاهين إلى محافظة بور سعيد والفنانة نبيلة عبيد إلى محافظة الوادي الجديد، أما الفنان نور الشريف فصاحبني إلى السويس.

النقد (إنت بتعمل شغلك وأنا باعمل شغلي):

كتبت قدر ما كتبت، وكان معظم الفنانين أصدقائي، ولكن هذا لم يمنعني أبدًا من أقول رأيي صراحة في أي فيلم بالسلب أو الإيجاب، وكان هناك من يغضب للنقد السلبي بطبيعة الحال ولكني كنت أرد عليهم “إنت بتعمل شغلك وأنا باعمل شغلي” وكان في ذهني أولًا القارئ الذي سيقرأ ما أكتبه وليس الأصدقاء، وبعد هذا الغضب المؤقت من الفنانين تستمر صداقتنا. والاهتمام الأكبر بقراءة ما يُكتب كان من الفنيين ومن وراء الكاميرا بعكس الممثلين. ومثلما هو الحال حاليًا كانت الغلبة للسينما التجارية لكن الآراء والقراءة كانا مستمرين، وأذكر أن أحد الزملاء من موزعي الفيديو فيلم قديمًا كان يقول مازحًا “يوم ما سمير فريد يكتب عن فيلم كويس يبقى اتخرب بيتي” بالنظر إلى أن هذه معناه أن الفيلم جاد وذو قمية وبالتالي لن ينجح في جذب الجمهور.