تحليل إعلامي للقاء السيسي مع "سيدة العربة"

فاتن الوكيل

14 دقيقة من الصدق والتلقائية شاهدناها على شاشة التلفزيون المصري، أمس الأحد، بعد أن عرض تقريرا عن استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمنى السيد أو من عرفت بـ “سيدة العربة” التي انتشرت صورتها وهي تجر عربة بضائع “تروسيكل” في الإسكندرية، بشكل واسع على مواقع السوشيال ميديا، عن طريق مُصور مجهول –حتى الآن- لكن من الضروري التعرف على هذا المصور، الذي يعتبر “نقطة بداية”، لانتشار قصة منى عبر مواقع السوشيال ميديا، وعرضت حالتها في برنامج “كل يوم”، الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب، على قناة ON E.

unnamed-24
الحقيقة أنه بالرغم من قيام الرئيس بالعديد من اللفتات الإنسانية، إلا أن دائما ما كان يوجه متابعو مواقع السوشيال ميديا، السخرية بدعوى أن هذه الحالات بها نسبة كبيرة من “الافتعال”، خاصة بعد تدخل الإعلام فيها، مثلما حدث مع واقعة “الحاجة زينب”، التي تبرعت بقرطها لصالح صندوق “تحيا مصر”، ثم التقاها السيسي وكرمها، لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، حتى وجدنا “إعلان” عن حلق الحاجة زينب، تبعه حملة سخرية، طالت “للأسف” السيدة المسنة نفسها بالرغم من أنها لم تُشارك في الإعلان.

unnamed-25

حالات أخرى، لاقت انتقادات واستجهان، مثل واقعة الطفل “عمر صلاح” المريض بالسرطان، الذي التقاه الرئيس السيسي، في قصر الاتحادية، ثم اصطحبه بـ”الزي العسكري” على متن يخت “المحروسة” خلال الاحتفال بافتتاح قناة السويس، وانتشر الجدل بين الإشادة حول تحقيق رغبة الطفل وإسعادة بإشراكه في هذا الحدث، واتهام الرئاسة بالمتاجرة به وخلق “شو إعلامي” حوله. ضاعف الانتقاد تدخل الإعلام، حتى وجدنا ذات مرة عمر نائما من الإرهاق في استوديو تامر أمين.

https://www.youtube.com/watch?v=U0I9PqRfqf0

https://www.youtube.com/watch?v=nSBfu6YWkR8

 

لكن هذه المرة لم يكن هناك أي ترتيب. الصورة انتشرت فجأة على مواقع التواصل الاجتماعي، لسيدة أربعينية في غاية البساطة، فوجئت أن حياتها اتسعت من الأحياء المحدودة التي تتجول فيها بالإسكندرية يوميا، ليقوم الإعلامي عمرو أديب بالاتصال بها، لمعرفة تفاصيل أكثر عنها، ثم يُشاهدها الرئيس السيسي، ويقرر مقابلتها في قصر الاتحادية، لتكريمها وتعويضها عن سنوات الشقاء.

unnamed-26

ما يثبت عدم وجود ادعاء وزيف في الحوار، هو عدم استطاعة حتى المعترضين على الرئيس السيسي، خلق “بروباجندا” ضد اللقاء، حتى مع وجود بعض الجمل والمشاهد التي يبرع رواد السوشيال ميديا في التقاطها، مثل مشهد فتح الرئيس السيسي باب السيارة لمنى السيد، أو الدعوة التي كررتها “ربنا يديك على قد نيتك”، والتي طالب السيسي منها استبدالها بـ”ربنا يديك من فضله”، ليس لأنه يعرف أن “نيته وحشة” كما سخر بعض المغردين، ولكن لأن له تفسيرا خاصا ناتج عن خلفيته الصوفية ربما بحكم نشأته في حي الحسين، وهو حسب ما جاء على لسانه: “أصل النية مش قد فضل ربنا”.

unnamed-27

“كل الناس بتحبني والعالم كلها بتحترمني”. قصدت منى “كل الناس” بالذين التقت بهم في محيطها الضيق، حتى أنها عندما أرادت أن تعبر عن اتساع حب الناس لهاه قالت “كل الناس يتحبني حتى لغاية إسماعيل صبري عند البنك”. رسمت منى حدود عالمها البسيط، الذي حفظته من خلال تجوالها منذ الثامنة صباحا، وحتى المساء، لتبيع بعض البضائع البسيطة التي اشترتها “شُكك”.

unnamed-28
من المشاهد التي تؤكد استحالة التشكيك في الواقعة، أن السيسي أحيانا كثيرة لم يتمكن من مجاراة الحوار بسرعة، بسبب بساطة إجاباتها على أسئلته، دفعه ذلك للصمت أحيانا حتى يجد سؤالا آخر يوجهه لها، حتى أنه كرر أكثر من مرة جملة “قوليلي حاجة اعملها”، لتأتي نفس الإجابة “عايزة الستر وكفاية إني شوفتك في فرحة وسعادة”، مما يؤكد عدم وجود “سكريبت” مُعد مسبقا.

unnamed-29

الحقيقة أن الانتقادات أغلبها تكون ناتجة عن تعامل ما بعد اللقاء بالرئيس السيسي، كما حدث مع الحاجة زينب، بالإضافة إلى تدخل وسائل الإعلام، بإجراء المداخلات الهاتفية، والمقابلات التلفزيونية بشكل مبالغ فيه، دون العلم ان هذا التناول يجعل من تناول مثل هذه الحالات “أمر مستهلك”، لا تريده منى أيضًا، لكنها بالفعل تريد الستر وفقط.

خطوة أخرى نبدأ بالقلق منها من الآن، وهي مشاركتها في مؤتمر الشباب، فلماذا نُعرض إنسانة، أصبح شارع إسماعيل صبري، هو كل حدود عالمها، لتفاجئ بمواجهة المسئولين والكاميرات وسخرية رواد السوشيال ميديا، وخاصة من معارضي السيسي الذين يتشككون في جميع خطواته. بالمناسبة هي قادرة على مواجهة هذا الموقف، مع كل تعبيراتها البسيطة، لكننا يجب أن ننتبه إلى خطورة تعريضها إلى عالم لن يفهم بساطتها هذه.