طارق عباس يكتب: سياسة.. ولّا أكل عيش؟

عزيزي المدافع عن مدنية الدولة، والمبرر لعسكرة الدولة، والمهتم بالسياسة والمناصب، هل تعلمون أن عددا لا بأس به من المواطنين لهم نفس حقوقكم وعليهم نفس واجباتكم تجاه هذا الوطن المنهك، يعيشون في أقاصي البلاد ولا يعلمون شيئا عن العسكرية والمدنية، لا يصلهم من الدعم والخدمات والرفاهية التي تتمتعون بها أنتم ومن تعرفوهم على المستوى الشخصي أو حتى بمجرد السماع؟.

هؤلاء الناس لا يعرفون اسم الرئيس ولا يهمهم من تولى منصبا أو تعرض للاغتيال، ولا يعنيهم كل الكلام عن الاتفاقيات التجارية وقمة العشرين ومشروع قناة السويس والاستثمارات والشعارات والمشاحنات والموازنات.

بفعل فاعل، حسن النية أو فشل في الوصول للأفضل؛ تحول الهم العام لدى المصريين، أو قطاع كبير منهم على الأقل، إلى البحث عن مصادر لسد الفجوة بين الدخل ومتطلبات الحياة، الأساسية منها وليس الترفيهية أو الزائدة عن الاحتياج، وبدأت الطبقة المتوسطة في التآكل والتحول للطبقة الأدنى.

المصريون الذين اعتادوا الكلام عن السياسة والإخوان ومبارك والانتخابات والعيش والحرية والكرامة الإنسانية، لم يعد يعنيهم عدم وجود محافظ للقاهرة، ولا اختيار وزير كان لواء في القوات المسلحة، ولا محاكمة سابقه، هم ينتظرون فقط أن تتحسن حياتهم، وتقل حدة هجوم الأسعار والجشع الذي يحيط بهم من كل حدب وصوب، بغض النظر عن من يفعل ذلك.

لا تسألوا الناس عن رأيهم في إعادة ترشيح الرئيس لنفسه مرة أخرى، وأيديهم لم تزل مشغولة بعمل يأملون أن ينتهي بحصولهم منه على راتب يكفي تكاليف إطعام أبناءهم، ومن لم يجد منهم عملا لن يعيركم اهتماما ولا انتباها من الأساس، وخير دليل، كان في برنامج أحمد موسى، وخاصة في حلقة “استفتاء الدبة التي تصمم على قتل صاحبها”، عندما تحدث مشاهد عن مشكلة انقطاع المياه وزيادة أسعار الكهرباء، رغم كل محاولات الإعلامي الخطير لجر الرجل للإجابة عن السؤال، كانت تأتي الشكوى تلو الأخرى.

المواطن المصري الأقل دخلا في الشعوب التي تتمتع بأقل قدر من الكرامة، يندب حظه في شهر العيد والمدارس، فلا دخله يزيد جنيها، ولا الدولة تراقب الأسواق، ولا يستطيع سوى التخلي عن اللحمة في “عيد اللحمة”، لكنه لن يتخلى عن أبناءه في متطلبات الدراسة من مصاريف وكراسات وكتب ودروس خصوصية وملابس وخلافه، وفي المقابل، سيتخلى بالطبع عن الانتماء لتيارات سياسية، والانغماس في أحاديث لا جدوى منها عن السياسة وأحوال البلاد، فلا وقت لديه بعد حساب تلك التكاليف الحياتية التي ترهق أي عقل، وتحوله إلى مواطن قليل الحيلة.

وبترتيب الأولويات، فلا أحد أصبح يهتم بالحديث عن الإخوان، ولا عن مبارك ولا حتى عن العصا السحرية المزعومة للنظام الحالي، فمن يفقد قوت يومه وقدرته على سد احتياجات أسرته، لن يتذكر من يحكم ومن يتحكم، ولن يفكر في سياسة ولا زعماء، وإن كانت زوجته لديها جراما من الذهب، فسيطلب منها بيعه لسد ديونه وإطعام أولاده، بدلا من التبرع به، وإن كان لديه رصيدا في هاتفه، فلن يرسل منه رسالة تكلفه خمسة جنيهات لدعم الدولة التي تفكر يوما بعد الأخر في إرهافه وإذلاله ورفع الأسعار عليه، وفرض المزيد من الضرائب وزيادة ثمن الخدمات الهزيلة التي لا مفر منه كالكهرباء والغاز والمترو وخلافه.

آلاف الناس ممن أيدوا النظام الحالي، وأنا منهم صراحة، لو سألتهم عن طموحاتهم في عامين ستجدها تضاءلت، وأحلام التقدم والرقي والحياة الكريمة تبخرت، وتحولت أمنياتهم إلى مجرد البقاء والإفلات من مقصلة الأسعار ومجزرة حوادث الطرق والقطارات والسرقات والإرهاب، أما من يحكم ومن ينقذ، ومن يمثل الشعب في مجلس النواب المضحك، فهذه رفاهية أخرى لا مجال لها الآن في هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والإحباط.

نرشح لك : 

طارق عباس يكتب: وإحنا كمان ما بنخافش