دعاء فاروق.. مذيعة السهل الممتنع

محمد الزلبانى

حينما يبادرك إعلامى ما بأنه على وشك تقديم برنامج إجتماعى على الفور تتحسس مسدسك، وستقفز إلى ذهنك تلك الحلقات المكررة والسخيفة التى تناقش التفسخ الأسرى، وضرب الأبناء وغيرها من الأفكار التى استهلكت وصارت بالية من فرط تناولها، بل ستتخيل الموسيقى التصويرية التى غالبا تكون للموسيقار ياسر عبد الرحمن المليئة بالشجن كى تُكسب الحلقة التعاطف وإستدرار الدمع ، وهو ما لم تجده فى برنامج ” حياتنا ” للإعلامية دعاء فاروق فى حلقتها الأخيرة أو فلتقل فى جميع حلقاته القليلة الماضية .

دعاء فاروق تلك المذيعة التى ما إن تراها بحجابها العصرى على الفور سيخيل إليك أن من يجلس إلى جوارها شيخ أزهرى يفتى الناس فى دينهم ودنياهم كما هو الحال فى أغلب مذيعاتنا المرتديات للحجاب ، بل كما كان الحال معها هى شخصياً فى فترة تواجدها على قناة ” الحياة ” قبل إنفصالها عنها منذ فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر؛ لكن وبمجرد تركك الريموت لنصف دقيقة ستجد أمامك مالم تكن تتوقعه .. قضايا فى غاية العمق والإنسانية والمصرية الخالصة تُناقش بمنتهى البساطة ، وحوار هادئ ناعم دونما أى مؤثرات مفتعلة من موسيقى يظنها البعض تشويقية ، لكنها على النقيض تماماً مثيرة للإشمئزاز مما ينفرك من البرنامج برمته.

ففى حلقتها الأخيرة التى حملت عنواناً جذاباً للغاية .. ” الجوازة دى لازم تتم ” ناقشت من خلالها طرق الزواج فى أكثر من بلد، كان هذا فى التقارير التى تلتها بصوتها فى الفواصل بين الفقرات ببساطة شديدة وخفة ظل واضحة، أما الفقرات نفسها فجاءت أكثر إبداعاً فى تنويعها لضيوف الفقرات ما بين ” الخاطبة ” التى إلتقت فيها بسيدة تمتهن مهنة ظننا أنها إندثرت ، وإستضافتها لزوجين نوبيين تحدثا عن طريقة الزواج النوبية، ورجل تحدث عن طرق الزواج فى الأرياف التى يعانى منها الكثير منا بسبب المغالاة الشديدة فى تكاليف الزواج ، لكن أبدع الفقرات جاءت حين إستضافت السيدة الأمازيغية التى تحدثت عن شكل الزواج لدى الأمازيغيين، أقول أبدع، نظراً لرقى الحوار التى أدارته دعاء بإقتدار ومهنية، فى وقت لو تكرّم أحد من إعلاميينا الذين تحمل برامجهم الطابع ” الإجتماعى ” وأتى بضيف أمازيغى فى إحدى حلقاته سيناقشه فى صلب المعتقد الأمازيغى، ناهيك بالطبع عن التلميح بل والتصريح ببطلان المعتقد وكفره وضلاله ويجعله يفكر ألف مرة قبل الذهاب لأى أستوديو .. ” مش ندمان على إعتناقك للأمازيغية ” !

أهم ما يميز حلقة دعاء الأخيرة، والحق يقال فى الحلقات السابقة أيضاً، الجمع بين سرعة إيقاع الحلقة وتعدد الضيوف والموضوعات، تلك الموضوعات التى لو لو فكر إعلامى آخر فى طرحه فى برنامجه لأفرد لكل موضوع منهم حلقة على حدة؛ لكن فى تلك الحلقة جاءت شديدة التكثيف والعمق، واتسمت بالحرفية .

إستمرار دعاء على هذا المستوى سيضع برنامجها فى مصاف البرامج ذات الشعبية العالية والأداء الراقى، من هذه البرامج “صاحبة السعادة ” للجميلة إسعاد يونس ، و” معكم ” للإعلامية منى الشاذلى .