الموسيقى تخسر في عصر اليوتيوب والساوند كلاود

تشب نهال على أطراف الأصابع، لتتناول الكرتونة المخزنة فوق الدولاب.. هي على موعد مع “جلسة ذكريات” كما تسميها. تبدأ عادة من درج الشرائط، “بدأت في تجميع الدرج أنا وأختي من بداية الثمانينات، أيام لما كان فيه ألبومات سنوية للمطربين”، وفقًا لموقع أصوات مصرية 

شرعت نهال في تكوين مكتبتها الموسيقية في المرحلة الابتدائية، “كان ساعتها فيه فرقة الجيتس ومعها ظهر مصطلح الألبوم، بعد كده بقى في فرقة المصريين”.

أما الآن فلا تنتظر نهال موسم الصيف حيث تمطر السماء ألبومات، ولا تتذكر آخر ألبوم غنائي اشترته، ودخل درج الذكريات الساحر.

نهال فوجئت مثل كل عشاق الأغاني في الآونة الأخيرة، بدعوى رفعها المنتج محسن جابر لملاحقة القائمين على مسلسل “ونوس” و”ليالي الحلمية ج 6″ لاستخدامهم أغاني تراثية دون وجه حق، وطالبت الدعوى باتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد كل القنوات الفضائية التي تذيع المسلسلين.

 أزمة متكررة

الدعوى التي رفعها جابر صاحب شركة مزيكا ليست الوحيدة. فقد أعلن عن قيام  شركته بحذف إعلان إحدى شركات الاتصالات “العيلة الكبيرة” من على مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب، بسبب استغلاله للحن أوبريت “الليلة الكبيرة” واتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد الشركة. ذلك جعل البعض يتساءل عن “بيزنس” إنتاج الغناء، وحقوق الملكية، في زمن يوتيوب وساوند كلاود.

يقدر جابر، رئيس الجمعية المركزية للتسجيلات الصوتية ‏والمرئية، خسائر صناعة الموسيقى بما يقرب من 2 مليار جنيه سنويا، مستشهدا بتقرير الاتحاد الدولي ‏للمصنفات الفنية “I.P.F.I”‏.

وكان تقرير الاتحاد ‏لعام ‏‏2010 قال ‏إن حجم الإنتاج الغنائي خلال السنوات ‏الأخيرة ‏تقلص ‏لأقل من 50 في المئة، بعد الخسائر التي لحقت بشركات الإنتاج ما أدى إلى تقلص عددها ‏في ‏مصر ‏من 140 شركة إلى خمس شركات‎‏.  ‏

سنة أولى قرصنة

مع بداية الثمانينات ظهرت فرقة الأصدقاء، “كل الفرق دي كانت بتقدم أغاني جذابة بتشجعنا على الشراء”، كما تتذكر نهال.

أصبح شراء الشرائط الجديدة عادة لدى نهال كل صيف، “دايما كان المطربون بيستغلوا موسم الصيف والإجازات إنهم ينزلوا أغاني جديدة، وفي الطريق إلى المعمورة مع أختي وبنات خالتي، كنا بنراجع الشرائط الجديدة اللي هانعيش معها في الإجازة، عمرو دياب، وإيهاب توفيق، ومحمد فؤاد، وحكيم، وغيرهم”.

التسابق الكبير بين المطربين، دفع نهال ورفيقات الإجازة الصيفية للجوء إلى “الكوكيتل”.

“كان الشريط في البداية بتلاته جنيه وفضل يرتفع لحد 15 جنيه وطبعا دا كان رقم كبير بالنسبة لمصروفنا في الوقت دا، فكنت أنا وأصحابي كل واحد يشتري ألبوم مختلف وبعدين نسجل من بعض الأغاني اللي عجبانا في شريط واحد، نسميه كوكتيل”.

لكن ومع عصر اليوتيوب والساوند كلاود، أصبحت كل الأغاني متاحة مجاناً، ما أدى لاختفاء “الكوكتيل”.

 بغض النظر عن موهبة حضرتك

“الناس متصورة إن القرصنة يعني حد يسرق أغنية، دا المعنى المباشر السطحي”، يشرح الشاعر وعضو مجلس إدارة جمعية الملحنين والمؤلفين والناشرين فوزي إبراهيم.

ويضيف، “القرصنة يعني لما آخد أغنية من غير ما أدفع لصناع العمل، المنتج والمؤلف والملحن. في أوروبا يقسم حق الاستغلال على ثلاثة، والنسب محددة وفقا للقانون، للأسف دا مش موجود في مصر”.

وفقًا لتعريف موقع المنظمة العالمية ‏للملكية ‏الفكرية “WIPO”، التي تأسست عام ‏‏1967، ‏وتضم في عضويتها 187 دولة، فإن الملكية الفكرية محمية قانونًا بحقوق منها ‏مثلًا ‏البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية التي تمكن الأشخاص ‏من ‏كسب الاعتراف أو فائدة مالية على ابتكارهم أو اختراعهم.

وفي مصر تخضع جميع قضايا المصنفات الفنية والأدبية للقانون ‏‏82، ‏بشأن حماية الملكية الفكرية لعام 2002، واتفاقيتي ‏برن ‏‏(1886) ‏وتريبس (1995)، والعقوبات تتنوع بين المصادرة ‏والتعويض، ‏حسب ‏تقدير القاضي، والحبس لمدة شهر أو ثلاثة إذا ‏تكرر ‏الانتهاك.

السيطرة على القرصنة لا تتم بشكل مضبوط من الدولة، في رأي إبراهيم، “الدولة تقدر تعمل تعاقدات أو برتوكولات مع منظمات دولية، تقدر تمسك أي حد بيعمل داونلود أو تبعتله رسالة إنك تعديت على الحقوق، لكن للأسف الشديد الدولة مابتعملش ده ومش مهتمة بحكاية الملكية الفكرية لحد لما الصناعة انهارت”.

مشكلة الإنتاج في مصر كما يرى المنتج وعضو جمعية ‏منتجي ‏الكاسيت، أحمد الدسوقي، أنه “لا توجد قوانين ‏في ‏العالم تحمي حقوق الناس اللي بتشتغل في المهنة دي، مش هتفرق ‏حضرتك موهوب أم لا”.  ‏

أمثلة تعدي هيئات الدولة على حقوق الملكية الفكرية كثيرة كما يرصدها إبراهيم، “نغمات الاتصال لدى شركات الاتصالات، الفضائيات، وسائل النقل العام وشركة مصر للطيران، وجميع الإذاعات المحلية، كلهم يستخدمون الأغاني دون دفع حقوق الاستغلال”.

الحلول ليست بعيدة كما يراها إبراهيم “في ديسمبر 2014 عملنا مؤتمر (الإبداع مستقبل مصر) وقدمنا اقتراحات”.

نصت الاقتراحات على  ضرورة إنشاء نيابة متخصصة في قضايا الملكية والنشر الإلكتروني، وتلقي بلاغات الاعتداء على المؤلفات.

الأغاني التي “كسرت” الدنيا

في 2013 أعلن المنتج نصر محروس أنه سيبيع ألبوماته التي ينتجها ‏على شبكة الإنترنت من خلال المتاجر ‏العالمية المعتمدة، وذلك للاعتماد ‏على وسائل جديدة لمحاربة القراصنة بسلاحهم. ‏

المنتجة أميرة محروس، قالت لأصوات مصرية، “في الوقت الحالي لا ‏يوجد إنتاج ومافيش غير يوتيوب وساوند كلاود، ودا طبعا عمره ما بيغطي تكاليف ‏الإنتاج”.‏

الملحن والموزع الموسيقى اللبناني جان ماري رياشي، وضع ‏على ‏مدونته جدولا لتكاليف إنتاج ألبوم غنائي متوسط التكلفة، قُدرت فيه كلفة إنتاج الأغنية بحوالي 15 ألف دولار، أي أكثر من 150 ألف جنيه مصري، تقريبا.

مع بداية الألفية الجديدة، “كان درج الشرائط” لدى نهال يحتوي على المئات، “بصور مختلفة لمراحل عمرية مختلفة للمطربين”. بدأت حركة الشراء تقل “لأن بدأ يظهر قنوات الأغاني على الفضائيات، ودي بتخلي الواحد يقدر يشغل أغاني طول الوقت”.

بالرغم من سهولة الحصول على الأغنية تفضل نهال الاستماع دائما  للأغاني القديمة، “لأن المغنيين كتروا ومابقيتش عارفه دول مين، ومافيش أغنية بتكسر الدنيا زي زمان”. ‏

وهو ما يرفضه المنتج أحمد الدسوقي قائلا “مثلا أغنية “أنت معلم” للفنان المغربي سعد ‏مجرد ‏السنة اللي فاتت حققت نفس نجاح “لولاكي” اللي كسرت الدنيا من 30 سنة، لسه فيه أغاني ممكن تكسر الدنيا، بس القرصنة هي المشكلة”. ‏

المنتج أحمد الدسوقي اختار التوقف بعد ألبوم “اعتزلت الغرام” للفنانة ماجدة الرومي، “‏ألبوم ‏اعتزلت الغرام كنت ‏بسمعه ‏في ‏المحلات والمطاعم في كل حتة في ‏العالم ‏العربي، وأنا ماخدتش منه ‏جنيه”. ‏

‏تنظر نهال لصور المطربين على شرائطها القديمة، وهي تقول مستنكرة، “لو الدولة عايزة تمنع القرصنة مش حنلاقي الأغاني بتاعتهم على ‏الإنترنت بمنتهى السهولة”. ‏

 

نرشح لك

[ads1]