رحيل الصحفي العربي الذي توقع اغتيال ديانا

وليد رشاد  45656

منذ ايام قليلة كتبت مقالاً عن ظاهرة “محمد رمضان” وتطرق الحديث الى التشابه الشكلى بينه وبين النجم الراحل “احمد زكى”، ووجدت نفسى استرجع قصة قديمة عن سحب بطولة فيلم “الكرنك” من “احمد زكى” بسبب سماره، والتى قرأتها لاول مرة فى اوراق كاتب صحفى فنى تركتها ارملته لدى مجلة “كلام الناس” التى كنت اتدرب فيها اثناء دراستى الجامعية، ولا ادرى حتى الان لماذا تذكرت قصة فيلم “الكرنك” وصممت ان احكى مصدر معرفتى بها رغم ان المنطقى ان اسردها بدون مقدمات لانها حكاية مشهورة ومتعددة المصادر، بل ان شخص (اثق فى رأيه) اكد لى ان تجربتى فى مجلة “كلام الناس” وعلاقتى بنائب رئيس تحريرها اللبنانى “فادى الحسينى” (التى جاءت فى سياق السرد) كانت تستحق مقالاً منفصلاً.

لكن يبدو ان الله (سبحانه وتعالى) شاء ان اكتب مصدر معرفتى بتلك القصة ولمحات عن علاقتى بمجلة “كلام الناس” قبل ايام قلائل من وفاة الكاتب الصحفى اللبنانى الكبير”فادى الحسينى” نائب رئيس تحرير مجلة “كلام الناس” الفنية ومجلة “الوطن العربى” السياسية، ويبدو انه من حسن حظى ان اكتب عنه شهادة حق قبل ايام من رحيله بينما هو كان يصارع اشد حالات المرض (ولم يكن لدى ادنى معلومة عن ذلك)، واعترف الان اننى اخطأت حينما شغلتنى الدنيا عن زيارته والاطمئنان عليه او حتى توجيه الشكر له على دعمه لى فى بداياتى واكتفيت فقط بان ارسل له سلامى مع المصور الصحفى الشهير “ناصر محجوب”، ولهذا فقد تعلمت درساً فى منتهى الاهمية والقسوة وهو اننا يجب ان نحرص على التعبير عن مشاعرنا فى اى وقت متى شعرنا بها ولا ننتظر ان تكون الظروف مواتية بل علينا ان نخلق تلك الظروف، ونصيحتى للجميع عبروا عن حبكم وامتنانكم لمن تحبون او تدينون بالفضل فى اى وقت ولا تنتظروا وقتاً طويلاً.

بدأت قصتى معه فى صيف 97 حينما ظهرت نتيجة الفصل الدراسى الثانى وكنت الاول على دفعة ثالثة صحافة فى كلية الاعلام بجامعة القاهرة وقررت الا اكتفى بالدراسة النظرية، ولا ادرى لماذا فكرت خارج الصندوق بان اتدرب فى مجلة فنية لبنانية واخترت مجلة “كلام الناس” بينما كان اقصى طموح اقرانى هو التدريب فى “الاهرام” او “الاخبار” او حتى “الوفد”، وطلبت من ادارة الكلية جواباً موجهاً الى ادارة مجلة “كلام الناس” وحصلت على الجواب وتوجهت فوراً للمجلة الكائنة وقتها فى شارع “وادى النيل”، وقابلت الراحل لاول مرة ولم اكن اتخيل انه بتلك المهنية وذلك الذوق واستقبلنى بترحاب جميل مستغرباً ان يأتى اليهم طالب من كلية الاعلام للتدريب وعندما علم انى اول دفعتى صمم ان يعلمنى الصحافة بشكل محترف.

واهتم ايضاً ان يعلمنى قصة صناعة المجلة من الناحية الفنية والتقنية حيث ان المؤسسة التى تصدر عنها “كلام الناس” لصاحبها اللبنانى “وليد ابو ظهر” كانت واحدة من ارقى المؤسسات فى التجهيزات الفنية فى ذلك الوقت، وصمم الاستاذ “فادى” ان اتعلم الاخراج الفنى حتى لحظات طباعة صفحات المجلة على هيئة اربعة افلام وهى المرحلة التى تسمى فصل الوان تجهيزاً للطباعة النهائية، وترك لى حرية التجول داخل كل اقسام المجلة والاهم انه لم يكن يبدى اى اعتراض على تواجدى فى مكتبه معظم الوقت، وتصور البعض ان هناك صلة قرابة بيننا لانه كان دائم النصح لى على المستوى الشخصى والصحفى لدرجة انه كان يصطحبنى فى سيارته لكى يقوم بتوصيلى الى اقرب مكان مناسب فى طريق عودته.

ولا زلت اذكر كلامه ونصائحه حتى الان فعندما قلت له اننى من الصعب ان اعمل فى مجلة “الوطن العربى” (وهى الاصدار السياسى الهام للمؤسسة) معللاً ذلك بصغر سنى واننى لا يمكن ان احيط علماً بكل شئون السياسة الاقليمية والدولية، فاجابنى بسلاسة بانه يمكننى ان ابدأ بمعلومات بسيطة ومع الوقت سوف تكتمل قاعدتى المعرفية، وكان دائماً يثق بى ويصارحنى بكل شئ عن المجلة واسرارها او حتى اسراره الشخصية، وحكى لى قصته مع تغيير اسمه الصحفى من “فادى الحسينى” الى “احمد وجدى” لانه كان لديه بعض المشاكل السياسية حيث كان رئيساً لتحرير جريدة “القبس” الكويتية، وبعدها اصدر الرئيس العراقى الراحل “صدام حسين” قراراً بان يكون رئيس تحرير اكبر جريدة فى الكويت او المحافظة التاسعة عشر ابان الغزو العراقى ولكنه رفض وجاء الى مصر، ولا انسى خبطته الصحفية القوية (خلال فترة تدريبى فى المجلة) حينما تنبأ بمحاولة التخلص من الاميرة “ديانا” حتى لا يتواجد شقيق مصرى لولى العهد البريطانى وبعدها بايام قليلة وقعت الحادثة التى راحت ضحيتها مع المصرى “دودى الفايد”.

كان متواضعاً لدرجة انه كان حريصاً على متابعة صرف لتر لبن يومياً لعامل طابعة فصل الالوان لان الابخرة المتصاعدة منها كان يمكن ان تؤذيه، وكان مصمماً على ان يكون هناك شيخ يعلم ابنه وابنته القرأن ولما سألته عن الحكمة وراء ذلك، اكد لى ان التربية الاساسية فى الفترة الاولى من حياة الطفل تستمر معاه طوال عمره ومهما انحرف قليلاً فى فترة شبابه فسوف يعود فى النهاية لتربيته الاصلية وهو ما تأكدت منه اكثر من مرة.

وكان الراحل خفيف الدم بالفطرة شأن كثير من الشوام واذكر مرة انه جاء الى مكتبه شابتين للعمل او التدريب فى المجلة وكنت متواجداً فى مكتبه كالعادة، وخرج لبعض الشئون ودار حوار سريع بينى وبينهما وحينما عاد سألنى بخفة ظله “كنت بتقولهم ايه ؟!” وبسرعة بديهة اجبته “باقولهم ان الجو وحش اوى!!” فرد بمنتهى التلقائية “مهو مش حيتعدل !!” ففهمت الرسالة على الفور !!

وفى النهاية اؤكد اننى سافتقد للابد لكنته اللبنانية المميزة حينما كان يخاطبنى عندما يرانى فى بداية اليوم “وليد .. ازيااك” وكأنه كان ينتظرنى من فترة !! ادعو الله ان يرحمه ويغفر له ذنوبه ويدخله فسيح جناته وان اكون فى المستقبل القريب متعاوناً مع الشباب مثلما كان معى قمة فى الرقى والاخلاق.

نرشح لك
[ads1]