منذ ثلاث سنوات أطلق عصام العريان مبادرة لعودة اليهود المصريين لمصر معتمدا على دعوته بزعم أن عبد الناصر طرد اليهود من مصر وأن مازال لهم أملاك في مصر يجب أن يستردوها، وقامت الدنيا ولم تقعد حينها وتنصلت الحكومة من تصريحات العريان، ولكن يبدوا أن الدنيا قامت فقت لأن هذا التصريخ خرج من الأخوان لا أكثر
أذكر حينها أني عملت تقرير في الجريدة التي كنت أعمل بها وقتها عن التطبيع الثقافي مع إسرائيل في مصر والحقيقة لم يذهلني الكثير بأرائهم فكثير منهم مازل محافظ على الخط الفاصل بين العلاقات الدبلوماسية وبين التطبيع الشعبي
التطبيع الشعبي … مصطلح حينها لم أكن أعيره أهتماما ولم أكن أتخيل أن يأت يوم ما ويصبح حقيقة واقعة، فنحن جيل تربى من نعومة أظافره على أن إسرائيل مغتصبة ومحتلة للأراضي الفلسطينية، وعند حدوث الانتفاضات المتتالية من الفلسطينيين أو انتهاكات من الجانب الصهيوني كانت تنتفض مصر بدورها وتشتعل فتقوم المظاهرات وتمطرنا وسائل الإعلام بالأغاني الداعمة للقضية الفلسطينية والأوبرتات ويصبح الحدث الأهم على كل برامج التوك شوز والصحف
ولكن يبدوا أن كل هذا تغير ليس في يوم وليلة … عودوا معي قليلا بذاكرتكم، تذكروا معي تلك المرأة غريبة الأطوار التي ظهرت بعد ثورة يناير وأدعت أن هناك رجال بلبس غريب ولكنه شامية أتوا من النيل وهم من أشعلوا الثورة وفتحوا السجون، تلك الشخصية أو الشيخة ماجدة كما كانوا يدعونها كانت حينها مثار لسخرية شباب الثورة، ولكن يبدوا أن الدي ع الودان أمر من السحر كما كان يقول أجدادنا في أمثالهم الشعبية فراحت تلك السيدة في كل مناسبة تلقح على حماس ودورها في الثورة، ثم بعد حكم الأخوان وإخفاقهم أصبح التلميح تصريح، وتوالت التصريحات والتكهنات بأن كل ما يحدث من إرهاب في سينا هو صنيعة حماس وعلت الأصوات مطالبة بدك الأنفاق وغلق المعابر وأصبح في ليلة وضحاها فلسطين وأهل فلسطين هم أعداء الوطن وخطر على أمننا القومي بعدما كانت هي أمننا القومي
ولم يتوقف تهيئة التطبيع الشعبي عند هذا الحد، ففجأة وبالصدفة البحتة وياللعجب ظهر عمل ضمن الأعمال الرمضانية العام السابق يدعى حارة اليهود أفردت له المساحات الواسعة لنقده على شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك من كل النواحي فنيا وتاريخيا وكل شيء، مسلسل هو من وجهة نظري ونظر الكثيرين ممن شاهدوه هو لتجميل صورة اليهود والبث في الأذهان أن من ذهب أو رحل عن مصر رحل مكرها مخلفا وراءه الأموال والأملاك وهو لم يحدث بنسبة كبيرة بل على العكس كل من رحلوا صفوا أملاكهم قبل الرحيل، من أمم أمم في بداية الحركة المباركة كان من علية اليهود من العائلات الرأسمالية كسيكوريل وقطاوي وغيرهم وهؤلاء شائنهم شأن المصريين والعائلة المالكة المؤممون لم يؤمموا لأنهم يهود لإجبارهم على الرحيل كما يدعي البعض لإعطاء تعاطف شعبي مع اليهود سواء الصهاينة قاطني الدولة المحتلة أو غيرها
ومنذ ذلك الحين أفرد المساحات الإعلامية سواء مقروءة أو مسموعة للحديث عن يهود مصر وقصة رحيلهم، بل أظنها قبل ذلك بسنوات ربما منذ عام 2010 ، وأعترف أني كنت ممكن كتب عن اليهود في مصر الحديثة ليس مرة واحدة بل مرتان في جريدان مختلفتان، ولكن مع الفارق فمن كتب مقال في صلب تخصصه محايد يسرد الحقائق ليس من يلوي الحقائق التاريخية وعنق الحقيقة ليفرض أو يمهد لوجهة نظر وتهيئة الوعي الجمعي حتى إذا ما حدث تطبيع رسمي لا يتعجبه البعض فهناك بالبفعل تطبيع شعبي حدث ومازال يحدث تطبيع متزامن مع بث مخاوف كثيرة وكبيره تجاه جيراننا في الأرض والأزمة
ولا أعلم أمدركون هم لما يفعلون أم هي موجه تجرفهم لا يستوعبون إلى أين ستأخذهم، فالحديث عن أملاك اليهود في مصر وحق استرجاعها لن يكون بالأمر الهين خاصة أن الوثائق التي تثبت أنهم صفوا ممتلكاتهم وباعوها لأجانب أخرين بمصر غالبا معهم وليست بمصر حتى لأثبات ذلك، وهناك بند في أتفاقية السلام يتيح تشكيل لجنة مشتركة لبحث الأدعاءات المشتركة بين الطرفين
وهو ما فعلته حكومة إسرائيل بالفعل حينها حيث انشأت السجل المركزي لممتلكات اليهود المفقوده في مصر وطُلب من كل يهودي ترك مصر أن يملأ استمارهـ وبالفعل تم حصر عدد ١٥٣ إدعاء قيمتهم ١,٩٧٧,٨٥٦ دولار، ثم ارتفعت المطالَب لتصل لحوالي ٢٨ مليون دولار
ويعتبر مسألة التعويض الممتلكات اليهودية في مصر مسألة هامة تعرض على الحكومة الإسرائلية منذ عام 1979 ولكن الحكومة ترجأها حتى لا تطالب مصر بحقها في بترول سيناء الذي استنفعت به أيام الأحتلال، ورغم من هذا بقيت تلك المسألة تؤرق الحكومات هناك حتى أنهم قاموا بتسجيل الممتلكات كلها وسجلت ذلك في كتاب شهير اسمه “الممتلكات اليهوديه في الدول العربية.
ولقد عادت إسرائيل لتلك المسألة مؤخرا لدرجة أن منظمات يهودية قدرت عدد القضايا المرفوعة على الحكومة المصرية فى الولايات المتحدة ودول أوروبية، تطالب بتعويضات تصل إلى نحو 3500 قضية، تصل قيمتها إلى نحو 5 مليارات دولار، وقامت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية بقيادة حملة ادعت فيها أنه مع إنشاء دولة إسرائيل، أعلنت الحكومة المصرية أنها سوف تصادر ممتلكات كل اليهود فى مصر إذا اتضح أنهم سيشكلون خطرا ضد الدولة المصرية، وقامت بسن قانون ضد اليهود صادرت بمقتضاه مئات المؤسسات والشركات التجارية المملوكة لليهود، وألقت بعدد كبير منهم فى السجون بتهمة تأييد الصهيونية، وقامت بترحيل عدد كبير منهم فقط بالملابس التى كانوا يرتدونها على أجسادهم، والختم على جوازاتهم بـ(الذهاب بلا عودة) بعد أن أجبرتهم على التوقيع على وثائق تؤكد أنه ليس لديهم أى أملاك فى مصر، وأنهم لن يعودوا إليها أبدا.
وبدأت إسرائيل فى نوفمبر الماضى تنظيم احتفاليه رسمية أطلقت عليها (يوم خروج وطرد اليهود من مصر والدول العربية وإيران) وأقامت مراسم وطقوس رسمية للذكرى الأولى فى ديوان الرئيس الإسرائيلى، معتبرة يوم الـ30 من نوفمبر من كل عام يوما لإحياء هذه الذكرى، فى الوقت الذى زعمت فيه منظمة (العدالة لليهود من الدول العربية) أن 856 ألف يهودى تم طردهم فى عام 1948 وبعدها من الدول العربية، ولم تكتف بذلك بل قامت عن طريق مدير عام إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية، بإعداد مشروع قانون لطرحه على الكنيست، يلزم الحكومة الإسرائيلية بمطالبة السلطات المصرية برد أملاك اليهود المصريين الذين تركوا المدن المصرية المختلفة بداية من عام 1948 تمهيدا لوضعها على مائدة المفاوضات الدولية، فى حالة الضغط على إسرائيل بحق العودة الفلسطينية، وطالب مشروع القانون كل من مصر وعدد من الدول العربية، بتعويضات عن أملاك 850 ألف يهودى، تصل قيمتها الى نحو 300 مليار دولار أمريكى، مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكانى الأخير لليهود عام 1948.
وبالرغم من كل هذا وبالتزامن مع زيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل كان من المتوقع أن تحدث أنتفاضة مصرية لأنها المرة الأولى التي تحدث زيارة رسمية من الحكومة المصرية للأراضي المحتلة منذ زيارة الرئيس السادات لها في مباحثات السلام، ولكن هذا لم يحدث وقوبل الأمر بترحيب شعبي مريب لم يكن يحدث من قبل، بل الأدهى والأمر تفتح الصحف كالوفد والتحرير واليوم السابع والنبأ وكذلك برامج التوك شوز ملفات ممتلكات اليهود في مصر، في نفس التوقيت الذي يبث فيه السفير الإسرائيلي فيديو على صفحة السفارة على الفيس بوك يسرد قصته مع مصر وحبه لها وتعليمه بها ويتحرك بكل اريخية وترحيب فيها ويؤكد على أن العلاقات المصرية الإسرائيلية في أعلى مستوياتها خاصة على المستوى الشعبي وأن شعب مصر أصبح أكثر تقبلا للتطبيع ومتفهم لأهميته!!
نرشح لك
د.نرمين سعد الدين تكتب: تجديد الثنائيات الدرامية
[ads1]