علاء الغطريفي يكتب: اشتباك "اشتبك.. إزيك يا أماني..!!"

نقلًا عن المصري اليوم

بعد أن غادر «تومى لى جونز» الغرفة التى استقر بها 91 دقيقة مع صامويل آل جاكسون، ستسأل فى نهاية فيلم The sunset limited عما سيفعله «لى جونز» بمجرد خروجه، فهل سيكرر انتحاره أم سيغير طريقة تفكيره وإيمانه بوجود الآلهة، تلك الحيرة التى تدفعك إليها مبارزات السينما ألحت علىّ حين مشاهدة فيلم «اشتباك»، فجاورنى بالصدفة فى الفيلم طفل لا يتعدى عمره العاشرة وإلى جانبه فتاة تبدو شقيقته لم تتجاوز الرابعة عشرة، فكرت فيهما، وفكرت أيضا فيمن حضر وفيمن سيشاهد والرسائل التى يحملها الفيلم، بالتأكيد الجدية ليست مقبولة فى عالم «محمد رمضان»، والأفكار ليست سلعا رائجة فى دنيا السبكى.، كما أن الإبداع لا يعجب أماني الخياط وأمثالها من كشافة الفضائيات.!

علاء-الغطريفي-650x387
علاء الغطريفي

لاحت فى العقل أنوار كثيرة وعارضها قالب الصراع الذى احتدم قبل عرض الفيلم، فلملمت تلك النفس التى جنحت للتفاعل قسرا وحاولت تجنيبها سابقا أو لاحقا أو حتى دعما لا محدود بعواطف الانتماء لفكرة أو رأى أو هبة جماهير، فقد قررت أن أشاهد فيلما دون تغليب أى انحيازات أو إغراق فى تيه موضة ادعاء المعرفة أو مجاملات بوستات التواصل الاجتماعى أو إظهار مفهومية أو فشخرة عاشق السينما.

«اشتباك» مجرد فيلم، كرهته أو أحببته، ليس إلا عملاً وضع فيه صانعوه فكرتهم سواء أخفوها وسط تفاصيل أو أظهروها بهوى المنحاز أو مالوا لتوازن يراه البعض عارا على الفن أو أدركوا أنهم يمشون على الشوك فعدلوا وغيروا لكى يأتوا بشىء يتناسب مع أجواء محاكم التفتيش أو التزموا السياق الافتراضى على شبكة الإنترنت لكى يصبحوا أبطالا فى واقع يستمع فقط لصوت أحادى..!

المعانى للسينما يصنعها المشاهد حتى وإن ظن فريق العمل أن فكرتهم واضحة، فما يراه الجمهور لن يكون مشابها دوما للتوقعات، ولهذا فقد رأينا كتابات مع أو ضد، مع قلة التزمت فنيات العمل والحوار والأداء، من وجهة نظر كاتب السطور، رأيت كل شىء فى العمل ولكن شغلتنى ردود الفعل التى رأيتها على الوجوه بعد نهاية العرض، فلم يصفق الجميع بل صفق البعض رغم ازدحام قاعات ثلاث بل افتراش الأرض لمشاهدة العرض، لقد كانت القاعة مثل عربة الترحيلات اتفق فيها الجميع على الوجود فى نفس البقعة فى حين اختلفت توقعاتهم، فمنهم من كان يريده ناريا قاسيا واضحا جريئا فى مواجهة السلطة، ومنهم من كان يرغب أن يشاهد رسالة حادة تجاه الإسلاميين، ومنهم من كان يرغب فى التوسع فى صيغة «تحيا يناير»، ومنهم من كان يريد أن يقتنص فعلا سينمائيا فاضحا لكسر «ديكور التلاحم» على أنغام «تسلم الأيادى».

شغلتنى فكرة التشارك الإنسانى فى الفيلم بعيدا عن المماحكات السياسية، فهنا استوقفتنى مشاهد عدة تختبر إنسانيتنا، مشهد الفتاة المتعاطفة مع الإخوان التى ترغب فى قضاء حاجتها فى السيارة وكيف تساند الجميع ليساعدوها، ولم يختلف الأمر كثيرا فى مساعدة الرجل المريض بالسكر فى نفس الأمر، وكان البطل مشهدا انفجر فيه الجميع ضاحكين فى لحظة نادرة عندما فاجأهم الإخوانى السمين بغناء «أجمل إحساس فى الكون انك تعشق بجنون» للمطربة إليسا بعد أن أسندت نيللى كريم رأسها على كتف زوجها «طارق عبدالعزيز»، ويضاف إلى هذا المشهد صورة أخرى للمجند القبطى الذى ساعدته نيللى كريم رغم أنه كان قاسيا عنيفا مع مطالبهم بما فيها شرب الماء أو حتى إنقاذ شخص آخر فى عربة ترحيلات أخرى مرت بجوار السيارة، ومعه أيضا المجند الآخر الذى تحركت إنسانيته أكثر من مرة تجاههم وجرى منعه من تلبية احتياجاتهم لدرجة أن الضابط رفع فى وجهه السلاح ليقتله إذا لم يمتثل للأوامر، بجانب مشاهد أخرى للتضامن مع الشرطة فى مواقف عدة خاصة بعد مقتل أحد الضباط.

التشارك الذى ظهر فى لحظات كثيرة فى سياق رحلة سيارة الترحيلات أفسدته النهاية فهى لم ترقنى، فقد شعرت أن لحظة الفوضى كانت مشوشة وأقحمت من أجل ختام أراده المخرج مثاليا لا يغضب أحدا، كان بإمكانه التعبير عنها بشكل أفضل، الفن لا يحمل أكثر مما يحتمل، وكان فى عقل الكاتب والمخرج والمنتج تأويلات الإسقاطات السياسية رغم أننا أمام عمل فنى فقط لا يتم تأويله بوصفه دعوة للتثوير أو نصا مرئيا للمعارضة أو حكاية مصرية عن التوازن أو خلطة عن الأمل فى المستقبل أو تشخيصا للخلاص، ولهذا نقول لهم كما قال «توم لى جونز» للقس: «لا تقل لى إنك الملاك الحارس، أنا لا أعترف بملائكة أو شياطين»، كما سأخاطب ممثلة جماعة «الحقى يا دولة»: إزيك يا أمانى عاملة إيه دلوقتى.. ده مجرد فيلم..!

ختام: الأروع فى العمل هؤلاء الممثلون الذى قدموا أداء راقيا وخاصة الشباب منهم، فلن تفلت من الذاكرة مشاهد الممثل السمين وتعبيرات وجه شاب مطروح الإخوانى وشقيقه السلفى، وكذلك جدية الضابط والمجندين وتصرفات البلطجى «فيشو» وصديقه «ميسو».

نرشح لك
[ads1]