محمد قرنة: عن بلاعة "السوشيال ميديا"

إيه أكتر وسيلة فعالة عشان تعرف من خلالها توجُّه مجتمع معين في المستقبل؟ دلوقتي الإجابة هتكون السوشيال ميديا بلا جدال، القدرة على قياس رضا أو سخط جماعات ودوائر مختارة من المستخدمين بيمثلوا شرائح مختلفة من المجتمع، هل الإعلام بيصنع الرأي العام ويحدد أولوياته ولا العكس؟ السؤال التقليدي اللي قامت عليه معاهد وكليات الإعلام والاتصال الجماهيري حول العالم، ولكن الجدل المثار حول إجابة السؤال تضاعف جدا مؤخرا مع تغير مفاهيم الإعلام التقليدي ودخول مصطلحات الإعلام المجتمعي وإعلام الأفراد من خلال ثورة الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، وتغلغلها في واقع البشر بشكل لم يسبق له مثيل من قبل على الإطلاق.

يوم 25 يناير 2011 كان وقت نزول ملحق التكنولوجيا الأسبوعي في الجريدة التي كنت أعمل بها، كان يوم ثلاثاء كما هي عادة نزول الملحق كل يوم ثلاثاء، وهذا ما لن أنساه، قبلها بـ4 أيام وقت رسم الملحق كنت عامل تحقيق كبير على صفحة كاملة تحت عنوان (ثورة الفيس بوك)، ومتناول فيه الطرق الجديدة اللي استخدمها الداعون للتظاهرات للوصول لجمهورهم المستهدف، وعلاقة الشبكات الاجتماعية بالموضوع، وإزاي وصلنا خلاص لمرحلة إن حاجة اتكونت في الواقع الافتراضي كما كنا نطلق عليه ممكن تتنقل قدامك بشكل حقيقي ملموس في المجتمع، والتحقيق أصر المشرف على الملحق ساعتها إنه يأجله عشان ينزل نشرة دعائية لشركة كانت مسفراه برا قبلها فبيردلهم الواجب، أو أختزله من صفحة لربع صفحة تتحط تحت النشرة الدعائية اللي لازم تتبروز في الصفحة، ورفضت ده طبعا بعد صدام معاه على إن الإعلان اللي عايز يعمله للشركة ممكن يتأجل لكن الكلام عن الثورة ميتأجلش، وجه يوم 25 يناير، وحصلت الثورة، وكان شكله وحش أوي ساعتها، بس يا فرحتي بشكله الوحش!

بعدها بشهر تقريبا كان حس بذنبه فساهم بشكل كبير في تعييني كمدير لقسم السوشيال ميديا اللي لسه كانوا عايزين يعملوه جديد وقتها، يعني ساهم في اختياري لتأسيس قسم جديد عندهم للسوشيال ميديا، وساعتها ابتديت أفهم بشكل حقيقي يعني إيه توجه الرأي العام، يعني إيه تخلق أولويات اللي بيتابعه الناس من حواليك، كانت ساعتها البلد لسه في مخاض الثورة، وكان الكل متفائل ومتبني المنهج الثوري وبيحلم بالخلاص من القديم بأي طريقة، فكان سهل إنك تلهب حماس القراء والمتابعين بتوعك بإنك تلعب على الحس الثوري، بإنك تتابع مجموعة من الانشطين في تغطية الأحداث الثورية وتنقل عنهم وعن حساباتهم، وبالفعل عملنا ده بشكل ناجح جدا ساعتها وساهم في رفع معدلات الوعي بالجريدة والمؤسسة بشكل واضح وملحوظ، بعدما كانت مقصورة على شوية كتاب كبار بيكتبوا فيها عشان يقراهم قلة قليلة وشكرا على كده.

تجربة إنك تتحكم في منفذ إعلامي على الشبكات الاجتماعية تحديدا وبعد الثورة كان مفيش حاجة تشبهها، الجرايد والمؤسسات كانت بتتعامل مع السوشيال ميديا قبلها بفكرة (عبيله وإديله)، أو نجيب أي حد نخليه يقعد يرمي المواد الصحفية اللي بنطلعها على الشبكات وخلاص، مكانش فيه عندهم مفهوم إنك تقيس اتجاهات الرأي العام من خلال السوشيال ميديا نفسها، ومن خلال رصدك للاتجاه تقدر ساعتها تتحكم في إنك تضخمه لحد ما يصبح منتشر بين دوائر أوسع ومؤسستك تركب موجة انتشاره باعتبارها من أوائل اللي اتنبهوا ليه، يا إما تتعمد تتجاهله وتوجه قصاده مجموعة مختلفة من الأخبار والاهتمامات اللي ملهاش علاقة بيه واللي بتساهم في انفضاض الناس من حواليه.

أكتر حاجة لازم يتعلمها أي حد بيفكر يشتغل في السوشيال ميديا دلوقتي هي إنك بتتعامل مع جمهور غالبا هو أذكى منك بمراحل، ولو معاملتهوش بالذكاء الكافي، وبالشكل المحترم اللائق بيه، فإنت مش بس بتخسره كقارئ أو متابع لوسيلتك الإعلامية، ولكن كمان بتكسبه كعدو، مرحلة تكوين الآراء الحيادية عند المستخدمين شبه انتهت بالفعل، بقى فيه إما تبني متقدم مع قدرة على تغييره في أي وقت، أو عداوة مكتسبة مع صعوبة احتمالية تصحيحها في وقت قريب، مبقاش فيه متلقي سلبي زي زمان حيشوف غلطاتك ويسكت عليها، بالعكس ده هيفضحك ويجرّسك في كل مكان.

معنى كده إن لازم غلطاتك تكون شبه معدومة أو نادرة جدا لو عايز تكون بتمثل واجهة مؤسسة إعلامية معينة يفترض فيها مجموعة من السمات بتحاول ترسيخها من خلال ضبط آليات العمل ومراقبته، لأن أسهل حاجة ممكنة هي برينت سكرين للصفحة بالخطأ المنشور فيها ثم نشر الصورة في كل مكان بعدها، مما بالتأكيد يؤدي لتكوين صور ذهنية سلبية عن المؤسسة صاحبة منفذ الإعلام المجتمعي الذي اقترف هذا الخطأ، وده أسوأ شيء ممكن مؤسسة إعلامية تكتسبه، وأصعب شيء في إزالته عنها بعد كده لو اترسخ تدريجيا في ذهن المستخدمين، ومصطلح المستخدمين أدق وأصوب بكثير من مصطلح المتلقين أو القراء أو أي مصطلح آخر، فأنت الآن تتعامل مع مستخدم في حالة حركة واختيار دائم ولديه مئات وآلاف الإشارات الأخرى على شاشته التي تجذبه بعيدا عنك إلى أبعاد أخرى سحيقة على الإنترنت، انتهى زمن المتلقي السلبي وبدأ عصر المستخدم الذكي الذي يحاول استغلالك لاستخلاص كل ما لديك في أسرع وقت وبأكفأ طريقة، في حين تحاول أنت استبقاءه لديك على موقعك ومنفذك الإعلامي ما أمكن ذلك.

يمكن ده لسه مش باين تأثيره أوي حاليا رغم معدل الانتشار والتبني الرهيب للشبكات الاجتماعية في مختلف شرائح المجتمع المصري بعد الثورة، فمازالت فيه أخطاء كارثية بتحصل في منافذ اجتماعية لمجموعة من أكبر الشركات ومؤسسات الإعلام في مصر والشرق الأوسط بشكل متكرر وسخيف الحقيقة، وفي صفحات وحسابات يتابعها ملايين المتحدثين بالعربية في العالم، ورغم ده بتلاقي الغلطات اللغوية الصارخة لدى أغلب هذه الصفحات، بالإضافة إلى العشوائية في اختيار المحتوى الذي يقومون بنشره، وغياب المراقبة أو المتابعة حتى لتعليقات القراء التي في أحيان كثيرة تتحايل على مديري الصفحة لتعديل بعض الكلمات الخاطئة أو المكتوبة بشكل خاطئ بلا أي رد فعل.

اللغة دايما بالنسبالي هي الوسيط الأهم للاتصال والتواصل، عايز توصل للناس معلومة والناس تحترمك؟ وصلهالهم بلغة سليمة واضحة ومختصرة، دي الصحافة في العموم، وده السوشيال ميديا بالخصوص، فطريقة تحديد عدد خانات الكلمة في “تويتر” على سبيل المثال تجبرك على أن تقول المختصر المفيد، أما كيف تخرج هذا المختصر المفيد من داخل كل موضوع؟ فهذه لعبة أخرى تماما يتنافس فيها المهنيون المعنيون بإدارة هذه المنافذ الإعلامية، لأن طريقة عرض المحتوى هي الأساس الوحيد هنا الذي قد يدفع المستخدم للضغط على الرابط المصغر والذهاب لموقعك.

وبالضعف اللغوي الذي يعاني منه غالبية الشباب والكبار أيضا في مصر حاليا تصبح السوشيال ميديا أقرب للبلاعات منها لأي شيء آخر، حيث تجد بها كل أصناف وأشكال تشويه اللغة بشكل فج، بداية من الكتابة الصحيحة ووصولا إلى الكتابة اللي ليها معنى أصلا! والمؤسسات دي لسه مش ملاحظة ومستوعبة مدى نسبة زيادة تبني استخدام الشبكات الاجتماعية بين المستخدمين في مصر تحديدا، ومش مستوعبة إن المستخدم ده لازم حيكون فيه حد أذكى منك وأكثر علما منك، وإنك زي ما بتقدم له محتوى لازم تهتم جدا برأيه في المحتوى اللي قدمتهوله، وتتأكد من أي انتقاد وجهه ليك أو لطريقتك إذا كان معاه حق فيها.

اختصارا لكلام كتير، المؤسسات الإعلامية تحديدا محتاجة تفهم إن الغلطات البشعة اللي بتقدمها منافذهم المختلفة على الشبكات الاجتماعية بتكوّن صورة زي الزفت عنهم عند الجمهور، وإن جمهور النهاردة مش زي جمهور زمان، والطرق اللي يقدر بيها يعبر عن رفضه لأي محتوى بتعرضهوله كتيرة ومتعددة، وإنه الجمهور دلوقتي قاعد مستنيلك على غلطة عشان يفضحك، وما أسهل الفضيحة ع السوشيال ميديا دلوقتي، والناس اللي مش مدركين خطورة إدارة صفحات فيها ملايين المستخدمين ولا معترفين بإن السوشيال ميديا يلزمها صحفي وحد إعلامي بالأساس عشان يديرها ويحط فلسفتها ويراقبها دايما، الناس دول مش بس هينقرضوا مع الوقت، لا وشركاتهم كمان هتنقرض معاهم، بعدما تترسخ صورتها كمؤسسة هبلة بتجيب ناس هبل عشان يبعتولهم رسايل أكتر هبلا على الوسايط الاجتماعية الأهم في عصرنا والعصور اللي بعده.

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على فيسبوك من هنا