محمد الباز يكتب: داعرون وعاهرات فى بلاط صاحبة الجلالة... وأنتم ماذا عنكم؟ (لماذا يكرهوننا 5)

مبكرا جدا انتبهت إلى أن تناول شئون رجال الدين من باب ما يقولونه على بساط قال الله وقال الرسول لن يجدى.

فعندما تتحدث عن أفكارهم وفتاويهم، يقطعون عليك الطريق، ويقولون عليك: وما شأنك أنت بالدين؟ لماذا تتحدث فيه؟.

وعندما تختلف مع شئ مما يقولونه، يدخلون بك أراض زلقة، يعرفونها جيدا، فهم يسكنونها بين صفحات كتب التراث التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.

عبر مصادفة أوقعت فى طريقى سيدة كان أحد الدعاة الجدد يرافقها، ويعيش معها بحجة أنها زوجة شرعية له، فلما حاول أن يبعدها عنه بعد أن ملها، طالبته بحقوقها، فقال لها: لا حقوق لك عندى، لتكتشف أنها كانت تعيش معه لأكثر من عامين فى الحرام.

نشرت القصة، فأحدثت دويا هائلا.

بعدها عرفت أن إظهار التناقض الشديد بين ما يدعيه الدعاة عن إيمانهم وتقواهم وفساد حياتهم الخاصة يصلح مدخلا لهدم القداسة المزعومة، التى يتكسبون بها، ويحولون بها خوف الناس من المعاصى إلى أرصدة هائلة فى البنوك، وسيارات فاخرة يختالون بها على عباد الله الفقراء، ومنتجعات سكنية يحيطونها بأسوار عالية.

فى جلسة جمعتنى بأحد الدعاة – تربطنى بمعظمهم صداقات – قال لى: انت بتتكلم كتير أوى عن أخلاق الدعاة، وقاعد تطعن فيها، اسم الله يا أخى على أخلاق الصحفيين بتوعك، ما تشوفوا نفسكم.

يومها قلت له كلاما كثيرا، أذكر منه، أننا لا ندعى إيمانا أكثر من الناس، ولا ندعى تقوى أكثر من الناس، لا يقف خلفنا عباد الله ليصلوا طالبين الرضا من الله، لم نقل لأحد أن ياخذ عنا دينه، ولا يلجأ لنا أحد ليسأل عن الحرام والحلال، لا نطلب من أحد أن يأخذنا قدوة فى أخلاقه أو سلوكه، ولذلك فلابد أن تكون ملتزما بما تطالب الناس به، ولو فعلت غير ذلك، فأنت لا تصلح لمهمتك، لكن الصحفيين أمرهم مختلف… هم بشر ليس مطلوبا منهم أن يكونوا ملائكة، يخطئون مثلما يخطئ الجميع، بينهم الفاسد والمنحرف والكاذب… وعدد ما شئت من خطايا ستجدها فيهم، المطلوب من الصحفى أن يكون صادقا فيما ينقله من أخبار، لا يأخذ ثمنا لما ينشره إلا من القارئ، وغير ذلك فليس لأحد عنده شئ.

لم يقتنع الداعية بكلامى، كما لن يقتنع به كثيرون منكم الآن.

الشاهد عندى فى سياق هذه الحلقات أن المسألة الأخلاقية تشكل هاجسا لدى كثيرين، يحكمون من خلالها على الآخرين، فإذا كنت على خلق، فأنت كفؤ فى عملك، مع أنه لا ارتباط بين حسن الأخلاق والكفاءة فى العمل على الإطلاق.

ينظر أبناء هذا المجتمع المدعى المتناقض إلى الصحفيين على أنهم قوم بلا أخلاق ولا دين ، لا هم لهم إلا إفساد أخلاق الناس وهدم دينهم.

معظم الصحفيين عند الشعب المصرى علمانيين ويساريين وشيوعيين وماركسيين… وبالجملة ولاد ستين كلب.

و أغلب الصحفيين عند الشعب المصرى قوادون وأغلب الصحفيات عاهرات، ورغم أن مجتمع الصحافة لا يخلو من أشكال ضالة كثيرة، إلا أن من يدعون على الوسط الصحفى هذا الادعاء لا عقل لهم ولا منطق.

أولا لأن من يعملون فى الصحافة فى النهاية من أبناء هذا الشعب، صحفيون معظمهم خرجوا من بيئات فقيرة وبيوت متوسطة الحال، وصحفيات لهم أهل يخافون عليهن ولا يقبلون عليهن كلمة، وإذا حلا للبعض أن يقول أن الصحافة ليست إلا عالما للدعارة والقوادة، فليس لهذا إلا معنى واحد، وهو أننا نعيش فى مجتمع كله داعر وقواد، وهذا ليس حقيقيا على الإطلاق.

فى مجتمع الصحافة من تزل أقدامهم، وهذا يمكن أن تجده بسهولة فى مجتمع الأطباء والمهندسين والمحامين والدبلوماسيين ورجال الأعمال، ويمكن أن تفتح قوسا وتعدد معى كل فئات المجتمع حتى تتعب تماما، فيهم الملائكة وفيهم الشياطين، فيهم من ينسج علاقاته الإنسانية برقى، وفيهم من يصنعها بانحطاط لا نظير له ولا انقطاع.

لم أصدق فى أى يوم من الأيام أن هذا الشعب الذى أنتمى له مؤمن بطبعه كما يقولون، فبينه وبين الإيمان جبال وعلامات، ولكننى أصدق أنه شعب درامى بطبعه، يسير خلف ما تقدمه الدراما ويصدق ما فيها، ويتعامل معه على أنه الواقع، رغم أنه هو الذى يعيش هذا الواقع.

لا يعيش المصريون بين الصحفيين، لا يعرفون معاناتهم ولا أزماتهم ولا الأمراض التى يصابون بها، لكنهم يعرفون أن الصحفى لابد أن يكون ذئب بشرى، وزير نساء ” تراودهم دائما صورة أحمد زكى فى فيلم ” إمراة واحدة لا تكفى”…. ولابد أن يكون الصحفى فاسدا يبيع ضميره لمن يدفع أكثر ” راجع مسلسلات رمضان خلال السنوات الأخيرة”، كلها تقريبا تعزف هذا اللحن بلا انقطاع.

وإذا قلت أن من يكتبون هذه الأعمال يعرفون الصحفيين جيدا، سأقول لك قولا واحدا، ما يقدمونه لك يؤكد أنهم لا يعرفون كثيرا عن الوسط الصحفى، لكنهم يتعاملون معك على أنك مواطن عبيط، ولذلك يقدمون لك ما يعرفون أنه سيثير خيالك وغريزتك، يعرفون أنك لا تريد أن تعرف الحقيقة، ولذلك فهم يواصلون خداعك وسرقة وقتك ونهب أموالك، ولا تعارض أنت فى ذلك، لأنك تكون مبسوط، فمن لا تستطيع أن تصل إليهم أو تكون مثلهم، يتم تشويههم بهذه الطريقة.

لا يهاجم الصحافة بالمدخل الأخلاقى إلا الفاشلون والمعقدون، يسقطون معاناتهم وعنتهم ( من العنة) علينا، ليس معنى ذلك أننا قوم مطهرون، فالحكايات أكبر من قدرتكم على التحمل، لكنها حكايات تتشابه تماما مع حكاياتك أنت وحكايات أصدقاءك، كل فى عمله، فليس عدلا أن تطالبنا بأن نكون طاهرون والعالم يعانى من كل هذه القذارة، انظر إلى نفسك فى المرآة، قبل أن تطل علينا وتبحث فى حياتنا عما يرضيك ويشبع تطفلك.

لم تكن مفاجأة لى على الإطلاق، وأنا أبحث خلال دراستى للدكتوراه، وهى بالمناسبة عن صحافة الإثارة أن أجد جذرا للهجوم الأخلاقى على الصحفيين وإعتبارهم مجتمعا منحلا بالجملة ودون تمييز.

أنور الجندى، كاتب ينتمى إلى فصيلة من يطلقون عليهم كتاب إسلاميين، إخوانى له تاريخ داخل الجماعة، الجندى هذا له كتاب اسمه ” الصحافة والأقلام المسمومة” صدر عن دار الإعتصام، النسخة التى عندى بلا تاريخ.

يقول عن محمد التابعى شيخنا الأكبر :” لا ريب أن محمد التابعى هو رأس هذه المدرسة الروزيوسيفية التى خرجت مصطفى وعلى أمين وإحسان عبد القدوس وهيكل، وأنه هو الذى وضع الأسس لصحافة ساخرة خليعة تعتمد على الإثارة والجنس، وتعقب الناس ومعرفة أسرار البيوت وكشف العورات”.

يمكن أن تلتمس لأنور الجندى العذر، فهو يصف الصحافة التى يراها، وهذه وجهة نظره وهو حر فيها بالطبع، لكن الكاتب الإخوانى المغرض – وكلهم بالمناسبة هكذا – وحتى يؤكد أن النمط الذى سلكه محمد التابعى فى الصحافة لم ينفصل عن حياته التى عاشها فقد أورد نماذج من حياته.

نقل الجندى عن التابعى مثلا ما قاله من أنه اعتاد أن يمضى كل سنة ستة أو سبعة أو ثمانية شهور خارج مصر بين باريس والريفيرا وسان موريتز، وأنه شبع من كل مفاتن الحياة ولم يعد هناك جديد يستهويه.

ويواصل الجندى خطته التى أرادها، وهى تصوير الصحفيين على أنهم قوم بلا أخلاق، فينقل عن التابعى ما قاله  – أو ما يدعى أنه قاله – : ” كنت آخذ معى إلى الكباريهات مصطفى وعلى أمين، الذى كان يأتى مرغما لأنه ليس له مزاج فى شئ فى الحياة إلا الجرى وراء الأخبار والأحاديث، وكل الناس يطلقون عليهم الحزب الخاص للتابعى.

ويختم الجندى معلقته فى ذم التابعى وكل ما قدمه للصحافة بما قاله عنه شيخ الصحفيين حافظ محمود، يقول: بدأ محمد التابعى من المسرح وجو المغنيات والممثلات، ثم جاءت السياسة فأداها بنفس مفهوم السخرية والبحث عما وراء حجرات النوم، وفى مجلة روزاليوسف استعار أسلوب النقد المسرحى وحوله إلى نقد سياسى وأنشأ بأسلوبه مدرسة من ناشئة الصحافة، وكبر تلاميذه وتفوقوا عليه.

ستقطع على الطريق وتقول أن أنور الجندى ليس وحده الذى طعن فى إمامكم الأكبر محمد التابعى، فهذا هو حافظ محمود الذى كان أول نقيب للصحفيين، وتطلقون عليه شيخ الصحفيين، يقول نفس الكلام.

سأقول لك لن أنكر ذلك تماما.

فمن بين الصحفيين من يهاجمون الصحفيين و يقولون فى حقهم أكثر مما قاله مالك فى الخمر.

اعتبره نقد ذاتى، اعتبره جلد ذاتى أنت حر.

يمكننى أن أقول لك ما هو أكثر، ففى جلسات الصحفيين الخاصة يمكن أن تسمع ما يصعقك تماما، ويجعلك تفقد أى قدرة على النوم، لكنك فى النهاية لا يمكن أن تتعامل مع المجتمع الصحفى على أنه غريب عن الشعب المصرى، فهو مثله تماما، يشبهه فى خيره وشره، وإذا تحدثت عن الأخلاق والتدين، فحاسب نفسك أولا قبل أن تحاسب الآخرين.

هل يكره المصريون الصحفيين لأنهم بلا أخلاق ولا دين كما يحلو لهم التعامل معهم؟

شئ من هذا يمكن أن يكون صحيحا وحقيقيا، لكن من زاوية أخرى يمكن أن نقرأ الكراهية على هذه الأرضية بشكل آخر، فالمجتمع يحقد على الصحفيين، كما يحقد على الفنانين ورجال الأعمال، وكل فئة متحققة وناجحة، لها من النفوذ نصيب ولها من الثروة أنصبة، ولا يجد هذا المجتمع طريقة للانتقام من هذه الفئات إلا بتشويهها وإهالة التراب عليها، على الأقل حتى يستريح لأنه يعتبر نفسه وقتها الأحسن والأجمل والأكثر أخلاقا وتدينا، رغم أنه فى حقيقة الأمر ليس أكثر من وغد، يبنى صورته الجميلة بالزيف، لأنه فى الحقيقة ليس أكثر أخلاقا ولا تدينا من الآخرين.

السبت القادم ( الحلقة الأخيرة) ماذا خسرت مصر بانحطاط الصحافة والصحفيين؟

نرشح لك

محمد الباز يكتب: مندوبو وزارة الداخلية فى الصحافة (لماذا يكرهوننا 4)

محمد الباز يكتب: كلنا كلاب يا صديقى.. بعضنا ينبح وبعضنا يحرس (لماذا يكرهوننا 3)

محمد الباز يكتب: الدعاء على الصحفيين بالفضيحة ؟ (لماذا يكرهوننا 2)

بنر الابلكيشن