أريج عراق تكتب: 6 "رمضانات" بدون أسامة أنور عكاشة

عندما شاهدت أفيشات الجزء السادس من مسلسل “ليالي الحلمية” فوق كوبري أكتوبر، انتبهت إلى أنه قد مرّ ستة أعوام يخلو فيها شهر رمضان من توقيع “أسامة أنور عكاشة”، عندما صدمني الخبر في 28 مايو 2010، تساءلت: “هل يجوز أن نقضي الشهر الكريم بدون إحدى ابداعاته؟”، ويبدو أنني لم أكن الوحيدة التي فكرت بهذا الشكل، فقد أخذ بعض كتاب السيناريو من أبناء جيلي، يحومون حول ذكرى الرجل، فيقتبسون رواية له هنا، أو يستعيدون عملا قديماً هناك.

أذكر عندما عُرض الجزء الأول من مسلسل الشهد والدموع عام 1983، كان موعد عرضه مقدساً عند الآباء والأمهات، وبالتبعية عندنا كأطفال، ومن يومها، لم يخلُ شهرنا الكريم من دراما قوية له، تربطنا أمام شاشات التليفزيون (عندما كانت قناتين فقط)، أو حتى في الأيام العادية في موعد السابعة والربع الشهير على القناة الأولى، أو السادسة على القناة الثانية، فتابعنا رحلة أبناء شوقي رضوان المليئة بالدموع ليحصلوا على حقهم من عمهم حافظ ويذوقوا حلاوة شهد الحق في النهاية، وتعاطفنا مع سامح الذي أحب الدكتورة هند، قبل أن يكتشف أن الحب يحتاج إلى “أشياء أخرى” حتى يستمر ويقف في وجه الظروف، كما شحذنا سيوفنا الخشبية لنقاتل الريح العاتية مع السيد أبو العلا البشري، واحترقت قلوبنا مع عصفور النار “الحسيني” الذي جاء يطلب الحق والعدل في بلد الطاغية صقر الحلواني، فاحترق جناحاه.

كنا صغاراً، نحب ونكره الأشخاص، وتلهينا الأحداث عمّا وراءها، كبرنا، وكبر حضوره معنا، لم يتخلَّ عنّا، ونحن لم نخذله، اتسعت مداركنا بين حلقاته الممتدة، وبدأت الأسئلة تطرح نفسها، أو يطرحها هو، لنبدأ نحن البحث عن الإجابات، لم تعد “الحدوتة” هي الهدف الوحيد من المتابعة –رغم جودتها- أصبح التاريخ والمجتمع والقيم هواجس تشكل وجدان شباب ينمو ويحلم بالتغيير، حتى كان السؤال الحاسم.

من نحن؟ هكذا تساءل “عكاشة”، بدا السؤال بديهيا في البداية، وتصورنا أن العمل الدرامي الذي طرحه لأول مرة، حمل الإجابة في عنوانه، “أرابيسك”، لكن المسألة لم تكن أبداً بهذه البساطة، وما بين الانتمائين الأشهر للهوية المصرية القديمة أو العربية الوافدة، فوجئنا بطرح مختلف، تسلل بهدوء في العمل الأول، قبل أن يعرضه بقوة في العمل التالي، هل نحن حضارة بحر متوسط؟ هل يكمن الخلاص في النظر شمالاً؟ لنكن منصفين، فإن الفكرة تنتمي للعميد طه حسين بالأساس، لكن الوحيد الذي انتبه لها وأعاد تبنيها في عصرنا الحديث كان “أسامة أنور عكاشة”، فكانت “زيزينيا”، العمل الأكمل والأجمل والأهم من وجهة نظره هو شخصياً (كما أخبرني في حوار قديم)، وبات سؤال الهوية هو أكثر ما يشغل بال “عكاشة” حتى لحظاته الأخيرة (هكذا أعتقد)، لكن “زيزينيا” لم يكتمل، وانتقل منه “عكاشة لعمل آخر لا يقل أهمية وعمقاً، “المصراوية”.

إذا كانت “ليالي الحلمية” رؤية رجل ناصري للحقبة التي ينتمي إليها، ومحاولة لتشريحها ومحاسبتها، ومحاسبة الذات في نفس الوقت، فإن “المصراوية” كانت رؤية رجل خبر الدنيا، وأصبح أُفُقَه باتساع المدى، ولم يعد محصوراً في فترة أو أشخاص، بل صار البحث هو شغله الشاغل، السؤال هو الأهم لا الإجابات.

عندما شاهدت أفيشات “ليالي الحلمية” تذكرت صدمة الرحيل، يومها قلت بعفوية من بين دموعي: “من سيكمل زيزينيا والمصراوية”، “هل من الممكن أن تتشكل ورش من محبيه الذين تربوا على أفكاره، لتكمل العملين الأهم في مسيرته؟”، فأجابني بعض الخبثاء: “تقصدين مثلما كان يفعل هو؟” لم أهتم يومها بالإجابة، ومازلت غير مهتمة، لكنني انشغلت بتصور شهر رمضان بدون وجوده، ورفعت يدي للسماء أتضرع إلى الله أن يقبل صومنا وقيامنا، رغم أننا لا نشاهد عملا جديدا لـ “أسامة أنور عكاشة”.