محمد حليم بركات: موقف محرج في فيلا إعلامي شهير

دخل الإعلامي الشهير بسيارته الألمانية الفارهة إلى جراج الفيلا الواسعة الأنيقة، في أغلى بقاع مدينة السادس من أكتوبر، في ساعة متأخرة من الليل قادمًا من مدينة الانتاج الإعلامي بعد أن الانتهاء من تقديم حلقة برنامجه الشهير الذي يذاع على الهواء، وقبل أن يضع يده على مفاتيح الإضاءة، سمع صوت خارج من حجرة مكتبه قائلا:

– حمد لله على سلامتك يا أبي

التفت الأب فجأة وهو يشعل نور النجفة الرئيسية المطلية بالذهب والمعلقة بسلسلة ذهبية في سقف الطابق العلوي، وممدة إلى منتصف الطابق الأرضي.

– لقد أفزعتني يا بني، لماذا لم تنام حتى الأن، أليس عندك محاضرات في الصباح الباكر؟

ترك الفتى صاحب العشرون عامًا الجهاز اللوحي الذي في يده على المكتب، وقف من على كرسيه، ثم اقترب من أبيه رويدًا رويدًا ويده ممدودة مصافحًا أباه الذي ما زالت على وجهه تعبيرات الدهشة قائلَا:

– الحمد لله أنك مازلت تتذكر أن لديك ابن في الجامعة، التي تحوي عشرات الألاف من الطلاب والأساتذة، ولديه عشرات من الأصدقاء يعرفون اسمه الثلاثي جيدًا.

شعر الأب الواقف بحزن ابنه الذي لم يعتاد منه التحدث بهذه الطريقة معه، وطلب من ابنه الجلوس أمامه على صالون المكتب.. ثم بدأ بالحديث قائلًا:

– هل هناك أحد من أصدقائك قال عني شيئًا أحزنك؟ هل سبني أحد أمامك؟ هل تهكم عليك أحد بسببي؟

– نعم.. كل هذا وأكثر منه يحدث كل يوم.

احمر وجه الأب الذي شعر أنه تسبب في أذى ابنه الوحيد.. ثم رسم على وجهه ضحكة مصطنعة، ووقف وأدار وجهه وانصرف قائلًا:

– كل هؤلاء مجموعة من الشباب غير الواعين بما يحاك بهذا البلد، وبعضهم شباب يحبون التناحر وعدم استقرار الدولة.. والغالبية منهم من جماعة الإخوان الإرهابية.

هكذا ظن الإعلامي الشهير أنه أقنع ابنه بإجابة شافية عما يتعرض له من مضايقات بسبب أبيه.. وقبل أن يمد يده كي يفتح باب المكتب ليخرج، فاجأهه طالب السنة الرابعة في كلية إعلام بالجامعة الأمريكية قائلًا:

– أسف يا أبي.. هذا ليس رأيهم وحدهم، بل رأيهم في أدائك المهني أقرب إلى رأيي أنا.

نزلت الكلمة على الأب كالصاعقة، فابنه الذي أصر أن يدخل كلية الإعلام لأنه كان يرى في أبيه المثل الأعلى، هو الأن ينتقد أبيه ولا يريد أن يصير مثله.. أدار وجهه لإبنه فوجده واقفا، فوقف أمامه تمامًا وكأنما يستشهق كل منهما زفير الأخر، ثم سأله بصوت خافت مكسور:

– ما الذي لا يعجبك في أدائي المهني؟

وضع الشاب عينيه لأسفل وكأنما يخشى أن يرى وجه أبيه لحظة الوقوف ضده.. ثم قال:

– قبل الثورة ببضع سنوات، وقت أن كنت مراهقًا وطالب في الثانوية العامة، وكانت بداية عمل حضرتك في برامج “التوك شوز” كانت تسعدني حكاياتك بأن رئيس الجمهورية والوزراء ومعظم رجال الدولة الكبار يتحدثون اليك هاتفيًا كي يثنوا على أدائك الإعلامي ودعمك المستمر لقرارات الحكومة، وكنت أسعد أكثر عندما يصتحبك الرئيس معه على طائرته في جميع زياراته الرسمية خارج مصر، وكانوا يختصونك بالانفرادات الصحفية كي تزيد من أسهمك على حساب المذيعين الأخرين.. فوقتها كنت أشعر بالفخر بأن أبي شخصية مهمة تحظى بحب المسؤولين، ولن أخفي عليك بأني أصررت أن أدخل كلية الإعلام كي أكون مهمًا مثلك، وأنك سوف تساعدني في ذلك وفقًا لعلاقاتك القوية بمعظم المسؤولين وخاصة في وزارة الإعلام.

– عليك أن تتخرج أولًا ولك علي أن أجعل منك أهم إعلامي في مصر.

– لكن بعد دخولي الجامعة وتصادف هذا مع قيام الثورة وقراءتي لمعظم هذه الأمهات من الكتب العظيمة التي تحتفظ بها هنا في مكتبك، وغيرها من الكتب الحديثة، واختلاف نظرتي إلى الناس بعد أن تعايشت مع معظم طوائف الشعب خلال الأربع سنوات الماضية.. وجدت أن كل ما كنت تفعله كان في صالح السلطة وحدها، والتي لم تتوافق مع مصالح الشعب أبدًا، وهذا ما سبب التخلف والتراجع الذي نعيشه.

وضع الأب يده تحت ذقن ابنه ورفع رأسه إلى أعلى كي يستطيع النظر في عينيه، ثم رفع صوته قائلًا:

– لولا ما فعلته لما كانت فتحت لي أبواب الصحف والفضائيات، ولكنت حتى الأن على أعلى تقدير محرر بسيط في احدى الجرائد الحكومية، ولما جمعت هذه الأموال التي جعلتك تعيش أنت وأمك في فيلا كهذه ولا تركب سيارة كتلك، ولا كنت ستتعلم في جامعة كتلك التي علمتك كيف تقف مثل هذه الوقفة لتقيم أبيك.. وقتها كنت ستشفق على حال أبيك البائس ومستقبلك المجهول.

أربعة ألوان تغيرت على وجه الفتى المندهش مما قاله أبيه.. وبدت تتملكه صفة الندية في الرد على أبيه بعد اعترافه الصادم.. فسارع قائلًا:

– كان هناك إعلاميين قبل الثورة يعارضون النظام وحالتهم المادية كانت ميسورة الى حد ما، فليس معنى أن تكون معارض للنظام أن تكون فقيرًا.. فكان عليك أن تقدم المادة الإعلامية على الأقل بطريقة مهنية بحتة، فلا تكون مع هذا أو ذاك.

ضحك الأب ضحكة أدرك الأبن أنها خرجت من القلب وقال:

– كل هؤلاء.. أنا أقول كلهم وليس معظمهم، اختاروا طريق المعارضة جنيًا لكثير من الشهرة مع بعض من المال، بعد أن فشلوا في التقرب من النظام، وإذا أردت أن تتأكد من هذا فالأمر بسيط جدًا.. جدًا.. جدًا.. فكما ترى ونرى جميعا أن السيسي لا يختلف عن مبارك.. لماذا كل هؤلاء الذين كانوا في معسكر المعارضة وقت مبارك، هم الأن يسبحون بحمد السيسي ويدافعون عن نظامه أكثر مني؟

نظر الإعلامي الشاب إلى أبيه، نظرة المهزوم في مناظرة إعلامية.. وقال بصوت حزين:

– لكني عندما أتخرج من الجامعة لا أربد أن أكون مثلك أو مثلهم.

نظر الأب لابنه نظرة المنتصر المتواضع فقط لأنه فلذة كبده، ثم ضمه كي يحتضنه، فسالت ماء دموع على كتف الأب تبعته رعشة بكاء الابن.. فضمه الأب أكثر، وبعد لحظات دفعه الأب برفق كي ينظر في عينيه ثم مسح دموع ابنه بيديه قائلًا:

– يا بني لا تقسو علىَ أو عليهم، فأنا وهم كنا مضطرين لنسلك طريقنا هذه مجبرين، في سبيل تحسين معيشتنا جميعًا.. أما أنت فقد ادخرت لك من الملايين عشرة وأحاول أن أدخر لك في المستقبل عشرة أخرى.. ستجعلك تفعل ما تريد وتحب وتهوى، دون أدنى ضغوط مادية ونفسية عليك… وعندما تتزوج وتنجب ستفهم وتدرك أني ما فعلت هذا سوى من أجلك أنت.

اقرأ أيضًا:

محمد حليم بركات: أون تي في.. بداية مختلفة لنهاية غير متوقعة

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر فيس بوك من هنا