محمد الباز يكتب: الخوف على مصر من اللى جواها أكتر من اللى براها

نقلاً عن البوابة

حتى الآن لا يستطيع أحد الجزم بأسباب سقوط طائرة مصر للطيران التى كانت قادمة من باريس وعلى متنها ٦٦ من مختلف الجنسيات، الحديث عن عمل ارهابى أو عطل فنى أو اشتعال مفاجئ فيه استباق للأحداث، لا يقوم على معلومات حقيقية، حتى الخبراء الذين يتسلطون علينا من كل مكان لا قيمة لما يقولونه، لأنه يأتى على جناح الترجيح والاحتمال والشك، البيانات الرسمية لا تشفى غليلا، فكل جهة تحاول أن تبعث بالإطمئنان فى قلوب من يتبعونها، لكنها تفعل ذلك بالأمنيات وبعض المعلومات التى تحصلت عليها حول ما جرى، وليس عما جرى بالتحديد.

تطول التحقيقات أو تقصر، فى النهاية سنعرف ما حدث، وقد نظل سنوات طويلة نجهل ما جرى، فالحوادث الغامضة التى يحتفظ بها سجل التاريخ كثيرة، وليس بعيدا أن تدخل حادثة الايرباص الأخيرة هذا السجل المتخم بالأوراق الحزينة.

بمنطق عملى بحت وبعيدا عن الحكايات الإنسانية التى نمزق بها قلوب البشر من حولنا، ستظل الحادثة مجرد حادثة، كبيرة أم صغيرة هى مجرد حادثة، سببها عمل ارهابى أو خطأ فنى مجرد حادثة، عدد ضحاياها ٦٦ أو ٦٦٦ مجرد حادثة، بعد قليل يمكن أن ننسى تفاصيلها، بعد أن تخطفنا حادثة جديدة، وضحايا جدد، فالحياة لا تتوقف والمآسي أيضا.

على هامش هذه الحادثة هناك ما هو أهم، لن ألتفت الى الشامتين الذين يغوصون بأقدامهم فى دماء من ساقتهم أقدارهم ليتحولوا فى لحظة الى مجرد أرقام فى قائمة ضحايا، فهؤلاء لا قيمة لهم، دعوهم فى محاريب ظلامهم و سواد قلوبهم، يعميهم الخلاف السياسى عن إظهار أى شكل من أشكال الانسانية، رغم أنهم يلحون على الجميع ليتعاطفوا مع ضحاياهم، بعنصرية فجة، فالدم الإنسانى كله حرام، لكن كل طرف يعتبر دمه وحده هو المقدس يستحق البكاء عليه، وليذهب الجميع بعد ذلك الى الجحيم.

دعونا نتوقف عند تعاملنا نحن مع هذه الحادثة ومثيلاتها.

دون مواربة ولا تردد أقول أننا نعانى حالة كاملة من الشعور بالدونية تجاه العالم، لا فرق بين حكومة وشعب، نسارع بالدفاع عن أنفسنا، وكأننا متهمون لابد أن نبرر ما جرى، حتى لو لم يتهمنا أحد بشئ.

مأساتنا الكبرى أننا نقوم بجلد أنفسنا، لا نستطيع أن نقف على أرض صلبة ونحن نتحدث عن حوادث عادية يقابلها العالم كل يوم، نتصرف بهيستريا شديدة دون داعى، أعتقد أن وراءها خوف من مجهول، فى الحقيقة ليس موجودا الا فى خيالنا.

لقد تباكى البعض على ما وصلنا ايه، تعاملوا مع الحادثة _ وهو ما تكرر قبل ذلك وأعتقد أنه سيتكرر بعد ذلك _ على أنه نحس نعانى منه، متجاهلين أننا نواجه فعليا حربا مستمرة مع قوى خبيثة لا تريد لهذا الوطن أن ينهض.

لا أتحدث عن مؤامرة، ولكنى أشير إلى حرب، من ينكرها لابد أن يطلب علاجا عاجلا، وفى الحرب كل شئ مباح.

لا أخشى على مصر مما يدبر لها خارجها، فهو منطقى، فخارج حدودنا من يخطط لخراب هذا الوطن، وتابعوا فقط خطاب الاخوان وحلفاءهم عبر وسائل إعلامهم المختلفة، هؤلاء لا يعملون وحدهم بل تساندهم دول وأجهزة مخابرات ساءها وضرها كثيراً ما حدث فى مصر منذ ٣٠ يونيو وحتى الآن.

لا يمكن أن أنكر على هؤلاء ما يفعلونه، فهم يريدون الانتقام، ولن يكفوا عن طلبه ، لكنى أنكر علينا سلوكنا ومسلكنا، فنحن نتهاون فى مواجهة الحرب النفسية التى نتعرض لها، وهى الحرب التى لو هزمنا فيها، فكل شئ سيكون سهلا على خصومنا.

ليس علينا الا أن نثق فى أننا على الحق، ندافع عن هذا الوطن بكل ما لدينا من قوة، لا نتركه لمن يريدون به شرا، فلو استسلمنا لن يرحمنا من يكرهنا، ولن يسامحنا من يحبنا.

لا تجلدوا هذا الوطن، ولا تتخلوا عمن يقودونه، ولا ترددوا خرافات الخارج عنه، فالهزيمة لن تأتى الا من داخلنا… فهل نقوم بما يجب علينا فعله؟ … هذا كل ما أتمناه.