المرفوض والمقبول في تغطية الإعلام لكارثة الطائرة المصرية

فاتن الوكيل

الغموض هو عدو الصحفي الأول، وبما أن هذا الغموض يزداد عادة مع الكوارث مثل عمليات اختفاء الطائرات، فإن الفضول الصحفي لمعرفة الحقيقة أو حتى للانفراد بالتفاصيل الأحدث، يزداد أيضًا، فهذا أمر يحدث مع جميع المواقع الإخبارية، وهو ما لا نستثني أنفسنا منه، حيث ظهر هذا مع اللحظات الأولى لتداول أنباء حول اختفاء الطائرة المصرية التي أقلعت مساء أمس الأربعاء من مطار “شارل ديجول” بفرنسا، واختفت من على أجهزة الرادار في الثانية من صباح اليوم الخميس.

فمن حق الصحفي أن يسأل، وأن يُصر على سؤاله بطرق عدة إذا شعر بأن المسئول يتهرب من الإجابة، كما أن من حق الإعلام في ظل غياب المعلومات، أن يبحث ويعرض وجهات نظر عدة، وأن يُجري اتصالات بالمصادر التي يمكن أن تؤكد أو تنفي له المعلومة التي يُريد التأكد منها.

أما السبب الرئيسي الذي يلجأ له الإعلام في التسرع بنشر الأخبار، هو قلة البيانات الرسمية، وإن كانت هذه النظرية صحيحة إلى حد ما، فإنه يبقى على الإعلام الابتعاد عن عدة أمور خلال التغطية الصحفية، لا علاقة بها بقلة العلومات.

على سبيل المثال ، كثرة اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر”، للحصول على بيانات طاقم الطائرة المصرية التي تأكد تحطمها، بعد أن عثرت السلطات اليوناية على أجزاء من الحطام، وهو ما يؤثر بالدرجة الأولى على نفسية أهالي وأصدقاء هؤلاء الأفراد.

الصورة الغير صحيحة للطاقم
صورة لبيانات خاطئة تم تداولها

وما يثبت عدم صحة هذه الصورة التي تم تداولها مع الساعات الأولى لاختفاء الطائرة المصرية، المداخلة التي أجراها برنامج “صباح أون” المذاع على قناة “ONtv”، مع محمد عبد المنعم الكيال ، ضابط أمن بمصر للطيران، الذي قال بأن هذه القائمة تخص اليوم الذي سبق الكارثة، وأنه على قيد الحياة، ولم يكن ضمن أفراد طاقم الطائرة التي أقلعت من فرنسا، وهو ما يوضح أن طاقم الطائرة ليس ثابتًا، وقابل للتغير من رحلة لأخرى، حيث تتواجد بعض الأسماء من الضحايا بالفعل في القائمة مثل قائد الطائرة، محمد شقير.

https://www.youtube.com/watch?v=zat9X4VEWpA

وإذا كانت الصحافة تعمل في المقام الأول لصالح الناس، فلا يجب أن تجور على حقوقهم ونفسياتهم لتحصل على معلومات يمكن أن تتعرف عليها في الوقت المناسب، حيث ظهر المشهد في مطار القاهرة “مؤسفا”، عندما شاهدنا المراسلين متجمعين حول إحدى السيدات التي بدت على وشك الانهيار، وهي تنتظر معرفة مصير ابنتها، التي تعمل مضيفة في مصر للطيران، وبالرغم من إشارة يديها بأنها لن تستطع الحديث، إلا أن صخب القنوات لم يتوقف في الضغط عليها لانتزاع كلمات بسيطة، هي كل ما استطاعت أن تقولها “بنتي مضيفة”.

https://www.facebook.com/AlnaharAlyoum/videos/1170943326310034/

 

المواقع الإخبارية، يتم اتهامها بأنها الأكثر تجاوزًا في نشر معلومات مغلوطة، حتى التي تتبع مؤسسات صحفية وإعلامية كبرى، لذلك فهناك أشياء يمكنها أن تتبعها للتغلب على مثل نسب الخبر لمصدره، وليس القناة التي نقلت هذه التصريحات، لأنها تكون في المقام الأول مسئوليته هو.

خبير سلامة جوية: حريق على الطائرة المنكوبة قبل سقوطها

ومع أنه يمكن للمواقع الإخبارية نشر “بانر” تعلق بالأحداث، من وقت لآخر، يتضمن أهم الأخبار التي نُشرت عن الحادث، إلا أن موقع “اليوم السابع”، أراد أن يُغرد خارج السرب، ويخرج عن وظيفته الصحفية، ليقوم بدور صفحات التواصل الاجتماعي التي تنشر أدعية وأحاديث، حيث قام بنشر “دعاء رد الغائب”، وهو أمر لاقى بعض السخرية والاستنكار من متابعي الصفحة، فلماذا يقوم موقع بأشياء ربما يعتبرها المتابع أنها من باب جذب مزيد من “اللايك” واللعب على عواطف المتلقي ليس إلا؟

اليوم السابع - دعاء الغائب
أما تناول المواقع الإخبارية لحياة الركاب وطاقم الطائرة، فمن حق المواقع الإخبارية أن تكتب قصصًا إنسانية عن حياتهم، تضامنًا معهم في هذه الكارثة، لكن يجب أن تكون هذه الخطوة بعد التأكد بشكل فعلي من مصيرهم، ولكن ما حدث أن بعض التفاصيل الهامشية أصبحت هي محور الخبر، مثل ما حدث من موقع “MBC” الذي سلط الضوء على أن ميرفت عفيفي، إحدى مضيفات الطائرة المنكوبة، كانت تعمل في بداية حياتها كممثلة مع الفنان الراحل وائل نور، بمسلسل “أبو العلا البشري”، وربط بصورة غير مفهومة بين مصيرها المجهول، ووفاة نور.

مضيفة mbc

المؤتمر الصحفي، الذي عقده شريف فتحي، وزير الطيران المصري، كان مرحلة أخرى من التجاوزات الصحفية التي رصدناها، فالأمر البديهي أن أي مؤتمر صحفي ينعقد حتى يسأل الصحفي ويجيب المسئول، ولكننا اعتدنا في مصر أن نتوقع أمرًا آخر، حيث قام أحد الصحفيين ليقول “زي ما شيلنا الشيلة في شرم الشيخ لازم غيرنا يشيل شيلته”، ناهيك عن أن هذا ليس أسلوبًا صحفيًا في مؤتمر عالمي، فليس مطلوبًا من الأساس أن يقوم الصحفي ليُعبر عن رأيه.

https://www.youtube.com/watch?v=MwFahsjuXgk

 

الأمر الآخر الذي لم يُراعى خلال المؤتمر، هو الضغط على وزير الطيران ليقول ما يريده الصحفيون، وليس المعلومات التي يستطيع الإفصاح عنها، فبالرغم من تأكيده عدة مرات إلى أنه لا يستبعد أي سيناريو، بما فيها العمل الإرهابي، ظل الصحفيون يُلحون بالأسئلة، وكأنهم يريدون منه أن يؤكد أنها انفجرت بفعل عمل إرهابي، وهو ما جعله يقول بأن مثل هذه الحوادث يمكن أن تصل التحقيقات فيها إلى عامين، فكيف نحكم بهذا خلال ساعات؟.