ماذا لو تحكم الذكاء المصطنع في إدارة غرف الأخبار المصرية؟

منن خاطر

“تم كتابة هذا الموضوع بواسطة إنسان آلي.” هكذا اختتمت وكالة الأسوسيتيد برس (أ.ب) بعض تقاريرها الإقتصادية مؤخرا، المتعلقة بالأرباح. قامت الوكالة الأقدم في عالم الصحافة بالتعاون مع مؤسسة بحثية لجمع المعلومات المتعلقة بالإستثمارات والأرباح، وقامت بتحويلها آليا من خلال برمجيات الى محتوى إخباري.

بحسب تصريحات مدير التحرير لو فيرارا، فان ذلك يعطي فرصة أكبر للصحفيين للتركيز على تحليل الأرقام وتحديد اتجهاتها وايجاد قصص حصرية يمكن أن تنشر بالتزامن مع التقارير الإخبارية. كما أن ذلك ساهم في زيادة كم الموضوعات مقارنة بالتقارير اليدوية.  بدلا من انتاج ٣٠٠ تقرير في الربع السنوي الواحد يدويا تستطيع أ.ب من خلال تلك البرمجيات إنتاج أكثر من ٤،٠٠٠ تقرير خلال نفس المدة الزمنية.

ليست هذة التجربة الوحيدة من نوعها. تمر المؤسسات الصحفية حول العالم بمرحلة تحول جذري في كيفية صناعة المحتوي وتسويقه، وذلك بفضل التطور التكنولوجي المستمر والذي أحدث تغير جوهري في سلوكيات القراء التي اعتدناها على مدى عقود. فأصبح الموبايل هو الأداة السائدة لإستهلاك الأخبار بين معظم الفئات العمرية. كما ان أكبر الصحف العالمية بدأت في الاستغناء عن اعداد كبيرة من المراسلين واستبدالهم بمطوري المواقع والتطبيقات وذوي الخبرة في مجال التكنولوجيا. ومازال هناك تجارب مستمرة فيما يخص الأدوات الحديثة التي يمكن للمراسلين استخدامها في تغطيتهم. ماذا لو تحكم الذكاء المصطنع في إدارة غرف الأخبار المصرية؟ هل نحن مستعدون لهذا التحول؟

الذكاء المصطنع بإختصار هو تطوير برمجيات وآليات قادرة على استبدال المهام التي يقوم بها الإنسان. بدأت بالفعل العديد من المؤسسات الصحفية في الولايات المتحدة بتطبيق تلك الآليات لتقديم محتوى أفضل للقراء وأسفر ذلك عن نتائج مثمرة في اغلب التجارب.

بإمكان تلك البرمجيات تحديد موقع القارئ، وما يقوم بنشره على مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها من البيانات المتاحة لتقديم في المقابل محتوى مفصل حسب اهتماماته. كما يمكن استخدام تلك البرمجيات في كتابة الأخبار وربطها بأحداث ذات صلة من خلال كلمات مفتاحية.

قد تبدو تلك الحلول غير واقعية بالنسبة لغرف الأخبار المصرية. ولكن في حقيقة الأمر سواء اقتنعنا بأهمية تلك التجارب أم لا، فأصبحت هي الخيار الوحيد أمام أي مؤسسة صحفية تريد البقاء في هذا العالم المتغير لحظيا. أصبح ذلك التحول يفرض نفسه بقوة على المجال الصحفي، “فإما أن تتوسع، أو تباع أو تنتهي للأبد،” كما يقول الكاتب الشهير كن دكتور عن التغييرات التي شهدتها الصحافة العالمية في ٢٠١٥.

إذا تخيلنا إسناد مهمة تقديم المحتوى “للإنسان الآلي” داخل غرف الأخبار المصرية، سنضمن وصول محتوى للقراء أكثر صلة بإهتماماتهم، في الوقت المناسب والمكان المناسب. وبالتالي سنتخلص من الصراع الدائم بين نسب المشاهدة والمعايير المهنية.

في نهاية يوليو/تموز ٢٠١٥ اعلنت جريدة نيو يورك تايمز وصول عدد المشتركين لديها في النشرة الإلكترونية فقط إلى أكثر من مليون مشترك، الرقم الأكبر في تاريخ الجريدة. وفقا للمدير التنفيذي دين باكيت فإن هذا النجاح يرجع إلى انضمام مبدعين رقميين إلى صفوف فريق العمل، لتطوير المحتوى الإلكتروني.

بالإضافة إلى تفصيل المحتوى للقراء سيساعد الذكاء المصطنع بكافة أشكالة وآلياته الصحافيين الإستقصائين على استنتاج معلومات تحليلية من بيانات ضخمة وأرقام، ومعرفة العلاقات بين الأشخاص بشكل أكثر دقة.

الإستثمار في تحديث الموارد البشرية والبحثية داخل غرف الأخبار لصالح دمج التكنولوجيا بمهمة تقديم المحتوى أصبح هو المنقذ الوحيد لما تمر به أغلب المؤسسات من تحديات مالية ومؤسسية. فيجب التخلص من نماذج الأعمال التقليدية التي تعتمد فقط على نسب التوزيع للمطبوعات ونسب المشاهدات للمواقع، والإتجاه لإبتكار تجارب جديدة تعتمد على تقديم محتوى يناسب إهتمامات القراء.

هذا الإبتكار قد لا يحتاج في البداية لبرمجيات معقدة ومكلفة ولكن يحتاج بالضرورة للبدء في أسرع وقت بتنويع فريق العمل الصحفي ليضم ذوي الخبرة من المصممين والمبرمجين والباحثين في سلوكيات القراء. فإن التجربة المستمرة أصبحت هي الحقيقة الثابتة الوحيدة في عالم الصحافة الآن.