محمود فوزي السيد يكتب: عن عمرو دياب بتاعنا .. و "الهضبة" بتاع نفسه

محمود فوزي السيد

محمود فوزي السيد

 

نقلاً عن الصباح

الحكاية أكبر من مجرد ألبوم خرج للنور حاملا رقما جديدا بين قائمة طويلة من الألبومات في مشوار فنان لم يكن يوما مجرد رقم بين المطربين لا في مصر ولا في العالم العربي؛ فنان لم يصل لنجاحه أحد ولم ينافسه أحد -على الأقل في العشرين عاما الأخيرة- فنان إن قدر له الوقوف في صفوف المطربين العرب ليحمل رقما بينهم فلا ينبغي له إلا أن يكون الرقم “1”، الرقم الأصعب في حسابات سوق الغناء العربي.

وكأن السنوات لا تمر ويبقى عمرو دياب كما هو المطرب الخارج عن حدود الزمان والمكان؛ هو مطرب كل الأجيال ولا شك؛ الأول بين الجميع ولا شك؛ الأهم والأغلى والأكثر طلبا ولا شك. ألبوم جديد في حياة من أحب أن أسميه عمرو دياب وأكره تسميته بـ “الهضبة” لأنني أعرف عمرو دياب “بتاعنا” ولا أفضل “الهضبة” الذي يعيش في برج عالٍ يصيبه أحيانا بالبرود تجاه جمهوره أو أصدقائه أو رفقاء نجاحه؛ ألبوم جاء حاملا سيناريوهات جديدة من الحيرة والتشكيك والتخوين والانتظار غير المبرر وحملات الدعاية الإيجابية والسلبية والخناقات التي تصل أحيانا لحد ساحات المحاكم.. وكأنها عادته فلا يمكن أن يمر ألبومه بلا عاصفة تسبقه وأخرى تلحق به؛ كل هذا مبرر فألبوم عمرو دياب يبقى دائما هو الحدث الغنائي الأهم إن لم يكن عربيا فعلى الأقل بين أكثر من 100 مليون شخص يحملون الجنسية الديابية ويتفاخرون بها؛ هؤلاء هم جيش عمرو دياب المختار المدافع عنه ضد الكارهين والحاقدين وحتى المنتقدين أحيانا؛ لا ينكر عاقل على عمرو دياب أنه الأكثر تأثيرا فى الشباب رغم تخطيه حاجز الخمسين؛ لا ينكر فاهم أن ألبوماته كانت ولا زالت وستستمر مثار الأحاديث على المقاهي وفي الشوارع أمام محال الكاسيت في غرف الشات المغلقة وصفحات السوشيال ميديا المفتوحة؛ نفس الألبوم الذي انتظرته مثل الباقين لأستمع لصوت عمرو دياب الذي رغم مرور السنين لازال له نفس القدرة على استدعاء مشاعر الطفولة والمراهقة والشباب في أبناء جيلي لأنه جزء لا يتجزأ ولا ينفصل عن تلك الذكريات التي عشناها على صوته ومع أغنياته؛ لكن هذا الانتظار امتزج كالعادة بمخاوف الاصطدام بـ “الهضبة” الذي يسيطر على الفنان الكبير، ليتوه من جديد عمرو دياب “بتاعنا” ويستقل رحلة استخفافه بنا!

نعم.. عمرو دياب يستخف بنا وبتعلق جيلنا به وبصوته؛ هو مطربنا المفضل منذ الصغر واستمر كذلك في مرحلتي المراهقة والشباب؛ حاولنا التمسك به في مراحل تالية؛ جاهدنا ليبقى هو نفسه عمرو دياب “بتاعنا”، المطرب الذي لم يكن يوما مجرد مطرب عابر في ذكرياتنا؛ كان أحد أهم مكوناتها الأساسية؛ شاهدناه معافرا مصارعا لقوانين النجومية التقليدية في حروب طويلة الأمد؛ دعمناه وقت سقوط بعض ألبوماته أمام منافسين لا يستهان بهم، لم يُنسنا تفوقهم أحيانا عليه أن عمرو دياب لم ولن يسقط بتراجع مبيعات ألبوم؛ فرحنا وتفاخرنا أمام كارهي “موضة عمرو دياب” بحصوله لأول مرة على جائزة الميوزك أوورد “القيمة آنذاك” عن أغنية “نور العين” كأول مطرب عربي.. ألتمس أحيانا العذر لمحبي عمرو دياب الجدد فهم لم يعيشوا معنا لحظات الفرحة الحقيقية بصدور ألبوماته والجلوس طوال ساعات الليل أمام محال الكاسيت انتظارا لـ “الفرشة الأولى” حتى وإن احتفلوا بها في “فيرجين” دون وجوده؛ لم يشتر أيا منهم بوسترات ألبوماته بخمس جنيهات؛ لم يعرفوا معنى أن ينشئ بعض التجار سوق سوداء لبيع بوسترات ألبوم عمرو دياب الجديد قبل طرحه بساعات قليلة؛ لم يتذوقوا طعم المفاجأة بنشر الصورة على واجهات المحلات لأول مرة؛ فالصورة أصبحت متاحة للجميع قبل صدور الألبوم بشهر كامل على صفحات السوشيال ميديا؛ لم يعاصروا ولن يقدروا فكرة أنه المتحكم الأول فى موضة شباب مصر في التسعينات؛ لم يرتدوا “فيست” ويلوموني؛ ولم يتسابقوا لشراء بلوفر “تملي معاك”، الذي استغل بعض التجار لهفة الشباب عليه لضربه وبيعه بأسعار زهيدة؛ هذا هو عمرو دياب الذي أعرفه والذي أحب أن أتذكره وهو سبب رفضي التام لـ “الهضبة” الذي اعتلى القمة؛ دياب الذي أعرفه لم يكن على القمة وحده وربما كان هذا سر تمسكنا به وإيماننا بمشروعه الغنائي وتعلقنا الشديد به وبحلمه وبالحرب التي خاضها ليصل لتلك القمة التي عادة ما تصيب مرتاديها بالفتور الفني؛ هو يعرف أنه على القمة وهذا سر هدوء الصراع بداخله والقتال لبلوغها؛ هذا القتال الذي عشناه معه لسنوات طويلة كان مجهوده خلالها أكبر وأكثر شراسة؛ موسيقاه متفردة على آذاننا؛ كلمات أغنياته أكثر وقعا على مسامعنا وأقرب لقلوبنا، تشعر مع كل أغنية أنه بذل مجهودا مضاعفا لتوصيل رسالته منها؛ عكس ما نسمع منذ أكثر من خمس سنوات؛ كلمات عادية وألحان مستهلكة لا تبث فيها الروح سوى التوزيعات الموسيقية. هذا هو حال ألبوم عمرو دياب الجديد “أحلى وأحلى” مثل سابقه “شفت الأيام” وسابقه “الليلة”؛ مجهود كبير ومحترم من فريق العمل لكنه خارج إطار الإبداع؛ ألبوم “كسر الدنيا” كعادة ألبومات عمرو دياب التي لن تنتهي لكنه جاء فارغا من الإبداع الذي جعل عمرو دياب يركب قمة الهرم بدون منازع وحوله إلى “الهضبة”؛ لم ينضح “صندوق الدنيا” بما فيه هذه المره مثل سابقتها؛ لم يقدم دياب الوجبة المتوقعة إلا فيما ندر، تاهت في الألبوم قصة بهاء الدين محمد ومفردات أيمن بهجت قمر وحكايات أمير طعيمة وأوجاع هاني عبد الكريم.. تاهت جملة عمرو مصطفى الذي خسره عمرو دياب وخسر هو أيضا عمرو دياب.. أسماء انفصل عنها عمرو دياب من بين الكثير من الأشياء التي انفصل عنها خلال سنوات عمله “كهضبة”.

بنظرة عامة على الألبوم تجد نفسك في رحلة بحث بدائية عن “هيد” للألبوم فلا تجدها على عكس معظم ألبومات عمرو دياب التي تكون أغنية “الهيد” واضحة للجميع منذ الوهلة الأولى؛ كل الأغنيات السريعة ذات الطابع الصاخب ليس من بينها ما يصلح “هيد” للألبوم أغنيات مثل “أحلى وأحلى” و “رسمها” و “لا لا”؛ لم تؤدى جميعا الغرض منها، وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول الأغنية التي سيختارها عمرو دياب لتصويرها من بين أغنيات الألبوم.. أكثر من خمس أغنيات في الألبوم تصلح لتكون “الأغنية التالتة في الوش التاني” وهو مصطلح يطلقه صناع الموسيقى على الأغنيات الضعيفة نسبيا في الألبومات ويعود بالطبع لأيام طباعة “شريط الكاسيت” المنقرض. تقابل في رحلة بحثك عن أغنيات عظيمة تتحدى بها نفسك فلا تجد إلا أقل القليل منها من بينها “أمنتك” كلمات تامر حسين ولحن محمد النادي وتوزيع أسامة الهندي؛ أغنية قريبة من القلب لاعتماد دياب فيها على مقامات شرقية خالصة وهي أغنية تبدو للمستمع حالة خاصة في الألبوم خاصة وأنها تنتمي لنوعية أغنيات “فرد العضلات”، فدياب فيها يغني و”يتسلطن” بمفهوم أهل الغناء ويقدم الموال و”التلييل” في محاولة منه لتعويض غياب الصوت أحيانا أمام المزيكا العالية؛ كلمات على مستوى جيد صاحبها لحن شرقي خفيف وتوزيع موسيقي خالٍ من الصخب والاستعراض؛ وفي رحلة البحث بالتأكيد تقابل أغنية “وعدتك” كلمات خالد تاج ولحن إسلام زكي وتوزيع أسامة الهندي؛ وكذلك أغنية “أنا وإنت” كلمات أحمد علي موسى ولحن أحمد البرازيلي وتوزيع عادل حقي؛ و أغنية “معاك قلبي” كلمات تامر حسين ولحن محمد النادي وتوزيع أسامة الهندي وهي الأغنية الشرعية التي يحرص دياب على وجودها في معظم ألبوماته وتعرف بأغنية “الفيرست دانس” في الأفراح وتعتمد عادة على جملة موسيقية ثابتة نجميها هما البيانو والجيتار.

بشكل عام الألبوم كما ذكرت سابقا يحمل مجهودا كبيرا لكنه خالٍ من الإبداع؛ وقع أغنياته على الآذان متوقع تكاد تشعر وأنت تستمع لها أنك سبق وتعرفت عليها من قبل إلا أن الأمر بالتأكيد لن يقلل من فرص نجاح الألبوم مع جمهور عمرو دياب المحب له والذي يسعى دائما لاقتناء النسخة الأصلية من ألبوماته؛ وربما كان الموقف الأخير من شركة روتانا وقيامها بإغلاق الصفحة الرسمية لدياب على اليوتيوب يأتي ضمن خطوات تسويق الألبوم لأنه أكسب الفنان الكبير تعاطف الجمهور المصري معه ضد الكيان الاحتكاري؛ وذلك بغض النظر عن كون دياب مظلوما من عدمه في أزمة روتانا التي طالما كتبنا وطالبنا نجومنا وعلى رأسهم عمرو دياب نفسه قبل سنوات طويلة بالقفز من هذا المركب الذي لا يريد قبطانه سوى إغراقه بمن فيه من المطربين المصريين فقط؛ وقتها تجاهل عمرو دياب ما نكتبه وكأنه المنزه عن الإنصات للنصيحة لتأتي واقعة فسخ تعاقده مع الشركة لتثير عاصفة هجوم على الشركة وأصحابها وجنسيتها رغم أنها فعلت ما فعلت مع عمرو دياب مع الكثير من المطربين قبله مثل محمد فؤاد وشيرين وإيهاب توفيق والراحل عامر منيب وعيرهم الكثيرين؛ ولتتجه أصابع الاتهام كاملة من جمهور عمرو دياب إلى الشركة في أزمة تسريب ألبوماته السابقة ضمن هوجة الهجوم الممنهج ضد الشركة التي لم أتخيل يوما أن تأتي اللحظة التي أقف فيها مدافعا عنها؛ نعم.. للأسف سأضطر الآن إلى رفع الظلم عن شركة روتانا لأنها لم تسرب من قبل أغنية واحدة لعمرو دياب كما يدعي من تساءلوا: لماذا لم تسرب أغنيات ألبوم عمرو دياب الجديدة؟ وكانت إجابتهم حاضرة “لأنه ترك روتانا”؛ لكن الحقيقة أن روتانا بريئة من تسريب ألبومات عمرو دياب التي كانت تسرب أغنياتها قبل حتى توقيعه مع روتانا؛ ويحكى أن موزعا موسيقيا كبيرا وشهيرا وذو قيمة فنية كبيرة أراد مرة اكتشاف حقيقة الأمر وكان دائم التعاون مع عمرو دياب ؛ فقرر وضع علامة موسيقية لا يلاحظها أحد غيره في إحدى أغنيات ألبوم “أنا أكتر واحد بيحبك”، وبالتأكيد لن أذكر اسم الأغنية حتى لا أفصح عن اسم الموزع الشهير؛ وبعد تسريب الأغنية استمع الموزع للأغنية المسربة فوجد العلامة التي وضعها بيده في الأغنية، وقتها تأكد أن الألبوم لم يتم تسريبه من شركة “عالم الفن” منتجة الألبوم وقتها؛ إذا فالشركة كانت بريئة من تسريب الأغنيات؛ أما ما حدث في ألبوم “أحلى وأحلى” فهو ببساطة أن عمرو دياب نفسه هو منتج الألبوم من خلال شركته “ناي فور ميديا” التي تديرها مديرة أعماله هدى الناظر؛ وبالتأكيد لن يرضى عمرو دياب عن الخسارة لنفسه بتسريب أغنيات الألبوم قبل طرحه بجانب أن الألبوم تم بيعه بالكامل لإحدى شركات الاتصالات وتقاضى دياب المقابل المادي كاملا نظير الألبوم مما يعني أن تسريب أي من أغنياته سيعود بالضرر المباشر عليه لذلك لم يجد الجمهور أغنية واحدة مسربة في الألبوم المباع للشركة من ناحية والذي ينتجه دياب من ناحية أخرى.