شيماء جلال تكتب : الشعب لا يريد

مأزق سياسي رفيع المستوى، إذا جاز التعبير، وأكثر أزمات النظام حدة وخطورة منذ صعوده، فلم يكن أشد الأعداء ضراوة له يستطيع أن ينسج مأزقا بهذه الخطورة والتعقيد، الذى وضع النظام نفسه فيه، بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، دون التمهيد للرأي العام .

يبدو الموقف السياسي في غاية الصعوبة، فكرة الثلج التي تحركت بالإعلان عن الاتفاقية لم تتوقف بعد، ودعوات الحشد والحشد المضاد تتصاعد، بينما ألقى الرئيس الكرة في ملعب البرلمان، صاحب الحق في رفض الاتفاقية أو الموافقة عليها، وفق المادة 151 من الدستور، لكن في الحالتين، سواء الموافقة أو الرفض، يظل الموقف السياسي على نفس الحالة من التعقيد، فإذا وافق البرلمان على الاتفاقية وأجازها، ظلت حالة من الاحتقان والغليان في الشارع، ولو خمدت الأزمة فأنها تبقى جذوة مشتعلة تحت الرماد، تنتظر أقل الأسباب للاشتعال مرة أخرى.

وإذا لم تمر الاتفاقية في البرلمان، يصبح موقف الرئيس والخارجية والحكومة، وكل من بارك وساند وأكد وشدد، في موقف لا يحسد عليه، لذلك يبدو الطرح الأخير، وهو “الاستفتاء الشعبي”، مخرجا سياسيا ملائما، في ظل الشحن الإعلامي الشعبوي لصالح الاتفاقية، إلا أنه يشعل معركة الاستقطاب، ويستحضر حالة مواجهة بين النظام وقوى سياسية على الأرض، وهي قوى لن تكون الاتفاقية معركتها الأخيرة، لأنها قد تستخدم الزخم في معارك لاحقة، ما بدأ بالفعل بتدشين حملة شعبية لإسقاط الاتفاقية، تقودها أحزاب التيار الديمقراطي .

لا تشكيك في نزاهة السيسي أو إخلاصه، لكن لا يعفيه ذلك من سوء التقدير السياسي في إدارة الأزمة.. أساء الرئيس التقدير عندما ظن أن الرأي العام سيقدر وجهة نظره في تغليب الاعتبارات الاستراتيجية للعلاقات المصرية- السعودية، على اعتبارات إشراك الرأي العام، كما أخطأ الرئيس في تقدير رد الفعل الشعبي .

وكان على النظام الانتباه إلى أن وقوعه في خطأ سياسي، لا يجب أن يجره إلى مزيد من الأخطاء على الأرض، وأن يعيد بناء ما أحرقه من جسور ثقة مع قطاع عريض من مؤيديه، وتحديدا من الشباب، فالتلويح بالقبضة الأمنية ليس حلا على الإطلاق.

دعوات الحشد الشعبي المضاد تكرس للانقسام الشعبي، وهو أمر ليس في صالح النظام نفسه، وعكس دعوات يطلقها الرئيس إلى وحدة الصف، لأنه يعرف جيدا خطورة هذا الانقسام، ليس على استقرار النظام فحسب، وإنما على الأمن القومي، وأن يأتي الانقسام في معسكر “30 يونيو”، فهو الخطر عينه، لأنه أقرب إلى التعرض لـ”نيران صديقة” .

على الجانب الآخر، دعوات الحشد للتظاهر في 25 إبريل، الهدف المحدد منها هو الضغط على البرلمان لرفض الاتفاقية، لكن في فورة الحماس، واستدعاء الحالة الثورية، واشتراك شباب من أبناء الـ17 عاما، فأن حكايات الثورة والثوار قد تلهب الخيال، وتنفلت هتافات لا تعكس حالة حقيقية، ولا رغبة جمعية، فالخوف هنا من اختلاط الأوراق، وانضمام أصحاب أغراض أخرى.

و حتى لا نضل السبيل، هل يريد الشعب إسقاط النظام؟

لا أحد يستطيع إنكار أن السيسي يمثل اختيارا شعبيا خالصا، ولا أحد يستطيع التشكيك في طريقة وصوله إلى منصب رئيس الجمهورية، فالشعب اختاره وهو يعرف أنه رجل عسكري، كما أن لديه الصبر على احتمال أخطائه السياسية، إن أقر بوجودها من الأساس.

بحسابات رجل الشارع العادي، وبعيدا عن المعركة الدائرة في الفضاء الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي، حصد النظام نجاحات في إعادة تسيير الحياة المعيشية للمواطن، ووقف موجات انقطاع الكهرباء، وإطلاق منظومة تموينية ناجحة، يشهد لها كل من يستفيد منها من الطبقة المتوسطة، واختفاء أزمات البنزين والأنابيب، والمحاولات الحثيثة لتحفيز الاستثمار، وانتخاب البرلمان، وإن اختلف على بعض وجوهه، لكنه خطوة تشريعية واجبة، بالإضافة إلى مشروعات قومية لا أحد ينكر ما بذل فيها، واستعادة للسيطرة الأمنية في الشارع.

استعادت الدولة توازنها على المستوى الخارجي، ما ظهر في زيارات للرئيسين الفرنسي والروسي، وسيل من الرؤساء الأفارقة، واستقبال الرئيس المصري بترحيب وحفاوة في دول آسيوية وأوروبية، والفوز بالعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن، وعضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقي، وتحقيق الشراكة الاستراتيجية الكاملة مع الصين، والتحالف مع قبرص واليونان، وعقد صفقات تسليح، هي الأضخم في تاريخ الجيش المصري منذ عقود، والحصول على دعم خليجي لم يظهر في السنوات السابقة .

الانتخابات البرلمانية الأخيرة شهدت إقبالا ضعيفا، عكس مزاجا شعبيا نكدا، لم يعد يريد صناديق أو معارك انتخابية أو شعارات وهتافات.. لا يريد مظاهرات ولا أسلاك شائكة ولا شوارع مغلقه.. لا يريد تعطيلا للدستور ولا حلا للبرلمان، ولا انفلاتا أمنيا.. لا يريد مراحل انتقالية جديدة، لا يريد أن يبدأ من الصفر.

بعيدا عن التعامل الفوقي للنخبة المتجاهلة للاختيارات الشعبية، ما زال للنظام رصيدا في الشارع، فالشعب يتعامل معه بمنطق “ادعى على ابني، وأكره اللي يقول آمين “، فهو يشكو غلاء الأسعار والتجاوزات الأمنية، ولا يريد تجاوزات من النظام، لكنه حتما لا يريد إسقاط النظام، والدخول فى دوامة البدائل الصعبة، و”عصر الليمون”، كما أن الدولة نفسها لن تحتمل سقوطا جديدا، وحتى نبلغ الرشد السياسي، على الجانبين، “النظام وأنصاره”، و”المعارضة وأنصارها”، أن يتجاوزا حالة العناد المتبادل، وأن يصلا إلى لغة مشتركة للتفاهم، هدفها تقويم أخطاء النظام دون هدم الدولة.

نرشح لك : شيماء جلال تكتب : سيادة الرئيس شراكة لا وصاية

اقرأ أيضًا:

١٠ كوميكس تؤكد الجدل حول فيلم “هيبتا”

في ذكراه الأولى.. حكاية الزائر الوفي لمقبرة الأبنودي

تعرف على المشجعة الحسناء في مدرجات الأهلى

تعرف على “اللاعبين المطربين” في إعلان فودافون “الأهلاوي”

خِصم جديد لمرتضى منصور

مفاجأت جديدة في قضية قتيل الرحاب

اتهام هيفاء وهبي بإهانة الحجاب

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا