طارق عباس: رسائل السيسي "المشفّرة"

لم يشغل أحد باله بالبحث بين السطور في لقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسي المتكررة بشباب الصحفيين والإعلاميين، في المناسبات المختلفة، وربما اعتقد البعض أن تلك اللقاءات ظاهرها هو توجه الرئيس للاعتماد على الشباب وتمكينهم والبحث عن أفكار خارج الصندوق، لكن في اعتقادي أن هناك رسائل خفية يريد الرئيس توجيهها بشكل غير مباشر لأشخاص عدة، ربما شعروا بذلك لكنهم يقاومون حتى تلك اللحظة، حبا في البقاء.

طارق عباس
طارق عباس

 

منذ سنوات عدة، لم يكن يخفى على الكافة أن هناك صحفيين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، يحيطون برئيس الجمهورية، ويعلمون أسرارا، منها ما يصلح تسريبه ومنها ما يكتمونه، وغالبا كانوا رؤساء تحرير الصحف القومية، وهنا أتذكر قصة صديقي الصحفي الكبير، عن رئيس تحرير جريدة قومية كان يرافق الرئيس مبارك في إحدى سفرياته وتحدث عن زميل له، فقال له مبارك ضاحكا: “فلان دة كويس.. دة ممكن يكتب مقالين تلاتة في اليوم”، وحكي لي صديقي عن مضمون مقالات هذا الصحفي رئيس التحرير، وكيف كانت تسير في خط واحد لخدمة نظام مبارك، وفقط.

التقرب من الرئيس كان يفتح كل الأبواب المغلقة أمام هؤلاء، حتى أن بعضهم كان يتحدث بمنتهى الفخر عن استخدام نفوذه وعلاقاته بمؤسسة الرئاسة، لكن مع تغير الزمن، وانهيار نظام مبارك، وتلون وتحول من أداروا ظهورهم فجأة، كان الدرس واضحا للرئيس السيسي، الذي يوجه رسائل مشفرة لهؤلاء المنتفعين، وأيضا الإعلاميين الذين اعتادت وجوههم الكاميرات كغثاء سيل لا ينفع، ولا يقدم جديدا.

الزملاء الصحفيين والمذيعين الذين التقاهم الرئيس أكثر من مرة، كلهم محترمون، ووجوه لم تحرقها شهرة ولا لهث وراء أموال طائلة، يعملون في المجال بحرفية، يحمل كل منهم رسالتي ورسالة كل صحفي وإعلامي يريد الخير لهذا البلد، يقدمون للرئيس ما كان حتما سيخفيه عنه الكبار، ينقلون معاناة الطبقات الدنيا في المجتمع، يتبنون مبادرات وأفكارا بنّاءة مضيئة، ويتلقون وجهة نظر الرئيس في كثير من الأمور المستقبلية، ويتولون مسؤولية نقلها وتوضيحها للشعب.

في الناحية الأخرى من المعادلة، ليس هناك فرصة أمام المتملقين ومحبي السلطة في التسلل لتلك المنطقة، ربما لأن الرئيس نفسه يعلم تلك الوجوه، ويدرك جيدا مآربهم، لذلك فإن لقاءاته بشباب الصحفيين والإعلاميين -التي أغضبت بعض كبار الإعلاميين- تحمل رسائل غير مباشرة لهؤلاء أن “ابتعدوا، وارحموا مصر من ممارساتكم، اتركوا الفرصة لجيل ثار على ظلم واستبداد كنتم أنتم جزء منه، ورسختموه وصفقتم له، وساعدتم المتربصين بالوطن على نهب موارده، وفتحتم أفواهكم تنتظرون فتاتا متساقطا من موائدهم، ابتعدوا واكتفوا بوقتكم الذي مضى، وأدركوا أن كل وقت وله أذان، وكل جيل به من يمكنه تدبر أموره دون ناصح كاذب”.

الرئيس وجه رسالته –ويوجهها- بشكل غير مباشر، وبطريقة “جنتل”، والكرة أصبحت في ملعب الحرس القديم من الإعلاميين، وأيضا أصحاب رؤوس الأموال الذين يتحكمون في الصورة النهائية التي يظهر بها الإعلام المصري، وهو في الغالب إعلام خاص، يؤثر في المجتمع أكثر من تليفزيون الدولة أو صحفها القومية، بينما نحن كمراقبين، ننتظر نتائج تلك الرسائل، ونتمنى أن تؤتي ثمارها في أقرب وقت.

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على الفيسبوك من هنا