أحمد عصمت يكتب: ما يجب أن تعرفه عن حوكمة وسائل الإعلام

يقوم مفهوم الحوكمة Governance، على مبادىء الشفافية والمسائلة والتشاركية والتى من شأنها النهوض بعمليات الإصلاح والعدالة والحد من الفساد.

وبما أن الإعلام هو محرك أساسي في تعزيز تلك المعاني وشريك رئيسي في تشكيل الوعي الجمعي والتنوير والتثقيف؛ فإن ضمان مهنيته وحياديته ونزاهته هو صمام أمان للتقدم والازدهار وأيضا لتعزيز قدراته التنافسية داخليا خارجيا كقوة ناعمة.

نرشح لك: إيمان سراج الدين تكتب: هل سيكون الكلوب هاوس مستقبلًا بديلًا للراديو؟


ومع التطورالتقني في وسائل الاتصال والتغيرات التي طرأت على المشهد الإعلامي والاستخدام المكثف لمنصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت (فيسبوك وتويترعلى سبيل المثال) ناهيك عن تطبيقات الموبايل (مجمعات الأخبار والألعاب على سبيل المثال)، مما أدى إلى تماهي الخطوط بين ما هو تكنولوجي وإعلامي  وخبري فأصبح لزاما علينا أن نتناول “حوكمة وسائل الإعلام”  Media Governance، بشكل أكثر عمقا من ذي قبل.

 و”حوكمة وسائل الإعلام” – كمصطلح حديث نسبيا – معني بالتعامل مع السياسات الإعلامية والقواعد القانونية المنظمة ونظم الملكية وإنتاج المحتوى ومناهج التطوير والتحديث. كذلك هو يهتم بالمشاركة المجتمعية وأساليب اتخاذ القرار بما يتماشى مع الصالح العام وتحليل مدى قوة المؤسسات العاملة في الحقل الإعلامى محليا وإقليميا وعالميا. وعليه فإن نطاق العمل بـ”حوكمة الإعلام” ينقسم إلى ثلاث أقسام: الكلى (المجتمعات/ الصناعة) والمتوسط (المنظمات) والجزئي (الأفراد). وهنا هو يختلف كليا عن “الإعلام والحوكمة”  Media and  Governance، والتي تتناول دور الإعلام في نشر أفكار الحوكمة والتنمية المستدامة. بشكل أبسط فإن “حوكمة وسائل الإعلام” تتعلق بتأطير وتفسير عمليات الإدارة والمسائلة والعلاقة المؤسساتية ما بين منظومة الإعلام والمجتمع.

كذلك يعتبر النظر إلى “حوكمة وسائل الإعلام” كمجرد بديل أو مصطلح أكثر عصرية لـ”سياسات وتنظيم الإعلام” هو في حقيقة الأمر نظرة سطحية؛ فـ”الحوكمة” أعمق من ذلك حيث توفر إطار مفاهيمي متطور يساعد على تحليل النظم والسياسات والأساليب القائمة من مختلف وجهات النظر -كما أشرنا سابقا- ويساهم في عقد مقارنات مستمرة بين مختلف الوحدات الإنتاجية داخل نفس المؤسسة ونظيرتها في المؤسسات الأخرى لتقديم آليات عمل إنتاجية جديدة تتناسب مع تطورات العصر في صناعة الإعلام والترفيه.

تنطلق “حوكمة وسائل الإعلام” كفكرة جامعة من قاعدة التوافقية بين أصحاب المصالح من خلال قواعد شفافة مبنية على دراسات سلوك المنظمات الإعلامية وكذلك سلوك المتلقين والمتابعين -آخذين في الاعتبار فكرة أن المتلقي أصبح هو الآن منتج للمحتوى على الإنترنت- وتنويع المنتجات الإعلامية المقدمة بعد دراسة عميقة للجمهور المستهدف بما يساهم في نشر المعرفة وتحقيق أرباح من مصادر غير تقليدية. وعلى الجانب الآخر فعملية “حوكمة الإعلام” تعني بشكل خاص بحق الوصول العادل للمحتوى الإعلامي لمختلف فئات الشعب وتقليل الفجوة المعلوماتيه.

بالإضافة لذلك فإن دعم التنافسية من أهم المقومات التنفيذية لـ “حوكمة وسائل الإعلام”، فالتنافس هو لب صناعة الإعلام والترفيه لجذب الجمهور الذي أصبح ينفر من التكرار ساعيا لكل ما هو جديد وجذاب. وعلى الصعيد المؤسسي فالتنافسية تتطلب إدارة متخصصة وواعية بتطورات الصناعة ومتطلبات الجماهير. وتعتبر حرية التعبير عن الأفكار والآراء ودعم الإبداع لتقديم محتوى إعلامي وترفيهي متنوع من دعائم “حوكمة وسائل الإعلام”، فهكذا يتم ترسيخ مبادىء احترام الآخر والتنوع في المجتمع.

ولعل تطبيق مفهوم “حوكمة وسائل الإعلام” على أرض الواقع يبدأ من النقابات المهنية للصحافة والإعلام والمؤسسات المسئولة عن تطوير العاملين ومراجعة كافة القوانين والقواعد التي تعرقل عملها، وبالتوازي إطلاق حوار مجتمعي شامل لما يصبو إليه المتلقي وإشراك المجتمع المدني لخلق أرضية مشتركة يستطيع أن ينطلق منها صانع القرار وملاك المؤسسات الإعلامية والترفيهية والأطراف المعنية بالصناعة.

ختاما، فإن “حوكمة وسائل الإعلام” تقدم خدمة عظيمة للمجتمعات ذات الديموقراطيات الناشئة فتعيد تعريف العلاقة بين المؤسسات الإعلامية المملوكة للدول والأخرى ذات الملكية الخاصة؛ وتقدم حلول تمويل مبنية على أفكار غير تقليدية، وتسلط الضوء على جوانب الطبيعة المتغيرة في السياسات الإعلامية وسلوك المنظمات الإعلامية وسلوك المتلقين في ظل تسارع تكنولوجي غير مسبوق.

أحمد عصمت خبير تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي، والمدير التنفيذى لمنتدى الإسكندرية للإعلام.